في عالم التقنية المتسارع، برزت بعض الشركات لتسيطر على المشهد العالمي في المجال الصناعي وغيره من المجالات، وتشكل مستقبل الابتكار وتحرك الاقتصاد العالمي. تعرف هذه الشركات العملاقة بـ"السبع الكبار"، وتشمل "شركة آبل"، "شركة مايكروسوفت"، "شركة ألفابت"، "شركة أمازون"، "شركة ميتا"، "شركة إنفيديا"، و"شركة تسلا". بينما تشتهر بعض هذه الشركات بمنتجاتها الملموسة، يأتي جزء كبير من قيمتها وتأثيرها من أصولها وخدماتها غير الملموسة. عزيزي القارئ، سنستعرض في هذا المقال تأثير واستراتيجيات هذه الشركات، ونسلط الضوء على اعتمادها على المنتجات غير الملموسة، وسنوضح بعض الأسباب التي تمنع أن تكون شركات الأدوية أو التقنية الحيوية جزءا من مجموعة "السبع الكبار". تستمد شركات التقنية "السبع الكبار" قيمتها أساسا من الأصول غير الملموسة مثل البرمجيات، الخدمات السحابية، الإعلانات الرقمية، الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات وتصميم المنتجات. حيث توفر هذه الأصول غير الملموسة القابلية للتوسع، والإيرادات المتكررة الضخمة، وهوامش الربح العالية، مما يسمح لهذه الشركات بالحفاظ على هيمنتها في السوق وربحيتها. تحقق "شركة آبل" جزءا كبيرا من إيراداتها من خدماتها مثل متجر التطبيقات Apple Store، وموسيقى آبل، وiCloud، وApple TV+، حيث ساهمت هذه الخدمات بأكثر من 75 مليار دولار في 2023. يضمن التكامل بين الأجهزة والبرمجيات قاعدة عملاء وفية وإيرادات متكررة. تحولت شركة مايكروسوفت لتصبح شركة تركز على الحوسبة السحابية. تقدم الآن ويندوز وأوفيس كخدمات اشتراك، معروفة باسم Windows 365 وMicrosoft 365 على التوالي. في 2023 حققت الشركة 75 مليار دولار من منصة Azure السحابية. بالإضافة إلى ذلك يبرز تركيزها على الأصول غير الملموسة من خلال الاستحواذ والاستثمارات في الذكاء الاصطناعي. تهيمن "شركة ألفابت (جوجل)" على سوق الإعلانات الرقمية من خلال Google Ads، وتمتلك أصولا غير ملموسة مهمة مثل نظام التشغيل أندرويد وبحث جوجل ويوتيوب ومنصة جوجل السحابية. تحقق الشركة دخلا من بيانات المستخدم من خلال الإعلانات المستهدفة، حيث تعتبر منصة اليوتيوب وجوجل السحابي من المصادر الرئيسية للإيرادات. تحقق شركة أمازون أرباحا كبيرة من خدمات ويب أمازون (AWS)، المزود الرائد للبنية التحتية السحابية، بجانب منصة الشركة للتجارة الالكترونية. حيثث تعزز AWS وعضوية Prime، التي تقدم فوائد غير ملموسة، ولاء العملاء والإنفاق. تحقق "شركة ميتا"، المعروفة سابقا بفيسبوك، إيراداتها أساسا من الإعلانات الرقمية على منصات مثل فيسبوك وإنستغرام وواتساب وماسنجر. حيث يبرز تركيز الشركة على التجارب الرقمية الجديدة من خلال مبادراتها في "الميتافيرس" والاستحواذ مثل استحواذها على "أوكولوس". تعرف "شركة إنفيديا" بوحدات معالجة الرسومات (GPU) التي تعد ضرورية للألعاب والذكاء الاصطناعي. كما تظهر قيمة الشركة في البرمجيات والخدمات مثل منصة “CUDA”، يبرز استثمارها في أبحاث وتطوير الذكاء الاصطناعي وخدمات الذكاء الاصطناعي السحابية تركيزها على الأصول غير الملموسة. تقدر قيمة "شركة تسلا" إلى ما هو أبعد من السيارات الكهربائية لتشمل البرمجيات مثل ميزات القيادة الذاتية Autopilot وFull Self-Driving، مع تحديثات مستمرة عن بعد. يعتمد أيضا قسم الطاقة لديها على منتجات غير ملموسة مثل برامج إدارة الطاقة. عزيزي القارئ، تعمل شركات الأدوية والتقنية الحيوية وفق نماذج أعمال مختلفة جذريا عن "السبع الكبار". تكمن قيمة هذه الشركات في تطوير واعتماد وتسويق الأدوية والعلاجات الجديدة. هذه العمليات تخضع لتنظيمات صارمة وتتطلب استثمارات كبيرة ودورات تطوير طويلة، مع وجود مخاطر كبيرة في كل مرحلة، بدءا من البحث والتطوير وحتى الموافقة التنظيمية والقبول في السوق. في المقابل تزدهر شركات التقنية، وخاصة "السبع الكبار"، على دورات الابتكار السريعة، وقابلية التوسع في المنتجات الرقمية، وأعباء تنظيمية أقل. بمجرد تطوير منتج برمجي أو خدمة رقمية، يمكن توزيعه على ملايين المستخدمين بتكلفة إضافية قليلة، على عكس تصنيع وتوزيع الأدوية المادية. هذا الفرق في نماذج الأعمال يجعل من الصعب على شركات الأدوية والتقنية الحيوية تحقيق مستوى القابلية نفسه للتوسع والربحية التي تحققها شركات التقنية التي تركز على الأصول غير الملموسة. تواجه شركات الأدوية والتقنية الحيوية بيئة تنظيمية معقدة، تتطلب تجارب ما قبل السريرية وتجارب سريرية شاملة وموافقات من الجهات الرقابية مثل إدارة الغذاء والدواء (FDA). عزيزي القارئ، هذه العمليات تستغرق وقتا طويلا، وذات تكلفة عالية، مع معدلات فشل كبيرة. في الختام، يمكن عزو غياب شركات الأدوية والتقنية الحيوية عن مجموعة "السبع الكبار" إلى الاختلافات الأساسية في نماذج الأعمال، والتركيز على الأصول غير الملموسة، والتحديات التنظيمية، والديناميكيات السوقية. يعتمد نجاح عمالقة التقنية بشكل كبير على قدرتهم على استغلال المنتجات والخدمات غير الملموسة، مما يخلق نماذج أعمال قابلة للتوسع وعالية الربحية تختلف بشكل كبير عن تلك الموجودة في قطاع الأدوية والتقنية الحيوية. مكن التركيز الاستراتيجي على البرمجيات، والخدمات السحابية، والإعلانات الرقمية، والذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات هذه الشركات من تحقيق هيمنة سوقية غير مسبوقة ونجاح مالي، مما يبرز أهمية الأصول غير الملموسة المتزايدة في الاقتصاد الحديث.
مشاركة :