متى تتكلم الأغلبية الصامتة؟ وماذا بعد قانون الأحوال الشخصية؟

  • 8/6/2024
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يثار جدل واسع حول تعديل قانون الاحوال الشخصية وخطورة التداعيات الاجتماعية التي تسبب بها، ويبدو من السجالات والمناظرات والندوات التي ترافق النقاشات المرتبطة بقانون الاحوال الشخصية، ان حزمة قوانين اخرى تنتظر التمرير في مجلس النواب بعد نجاح نائب واحد خلافاً للنظام الداخلي للمجلس بفتح الباب لنواب الاطار التنسيقي الشيعي وحلفائه لطرح قانون الاحوال الشخصية للتعديل. واقل ما يمكن ان يقال عن هذه الخطوة بانها مسار جديد من شأنه تعميق الانقسام داخل المجتمع العراقي واهانة توجه لكرامة المرأة العراقية وإمعان في تفكيك عرى الأسرة العراقية. وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى قهرها وإحكام العزلة حول دورها والخط من مكانتها. ويبدو ان دعاة إلغاء او تعديل القانون، المتلهفون لقانون يبيح الزواج من القاصرات، وانتهاك حرمة النساء وتجريدهن من الحقوق المتساوية، يشعرون بالحرمان من متعة المجتمعات الذكورية في البلدان العربية والإسلامية التي لم ترتقي المجتمعات فيها إلى مستوى الوعي الذي تكثف بعد ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨، وجعل بالامكان تشريع قانون أحوال شخصية هو الأكثر تطوراً وجعل بالامكان ايضاً ان تتبوأ اول امرأة عراقية في العالم العربي منصب الوزارة وان تصبح وزيرة ممثله لها. ودعاة التعديل والإلغاء، يشعرون بالحسرة على فقدانهم الحق المجتمعي بالتساوي مع أقرانهم في المجتمعات العربية الذكورية الذين لا يجدون في المرأة سوى "حُرمة للرجل". وكياناً ينقصه العقل، ذات مشيئة لا تكتمل إلّا بالرجل. فالمرأة من وجهة نظر المتأسلمين،عورة وناقصة وتابعة وهي "الولود الودود، الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها،التي تسمع قوله وتطيع أمره". بينما كانت آخر وصايا الرسول (ص) أن"استوصوا بالنساء خيراً". فإذا ما تهاونت المرأة بحق إنسانيتها فلا ضير من قانون يؤطّرها كسيدة منزلها ومديرة اموره ومشرفة على نسله ويمنحها درجات صلاحية لاتتعدى عتبة داره. لكن مثل هذه التشريعات تمارس اليوم على مجتمع تجاوزت نساؤه الرجال في العلم والاكتشافات، نساء ساهمن في التنظيم الاجتماعي والحركات التحررية ونهضة العراق منذ اكثر من قرن. اذاً لابد من قراءة موضوعية متأنية لمراجعة فهم النصوص الشرعية، والتمييز بين ما مصدره الشريعة، وما مصدره عادات وتقاليد المجتمع المتوارثة، التي تتقاطع في كثير منها مع الشريعة الإسلامية. إن فكر الإسلام السياسي يستند على مفاهيم بالية عفا عليها الزمن وهو ارث ثقيل تستمد منه مجتمعاتنا عاداتها وتقاليدها كاساس في تشريعاتها، ولا يتلاءم مع ما حققه العقل البشري من تطور انعكس على مجمل تفاصيل الحياة الاجتماعية، وعلى مرتكزات الاسرة وأفرادها، فالأحكام الفقهية ليست ثابتة وهي متغيرة بتغير الحياة. والانجرار عقائديا مع مقررات أهدافها معروفة سياسيا، لن يُجنى من ثمارها سوى التراجع والانكفاء. البعض للاسف يتعكز على المرجعيات ورجال الدين في محاولة تأطير الفكر المتطرف وقولبته في قوانين ذات طابع لا انساني، وهذا الامر يضر بالمرجعيات اولا، ويقدم صورة غير دقيقة للمدرسة الدينية، فرجال الدين دائما ما يعيدون قراءة الفتاوى ويلغون ويعدلون في نصوصها، انسجاما مع تطورات الحياة وممارساتها، بالتالي فالفقه نتاج فكري بشري قابل للخطأ والصواب وقابل للمرونة والتغيير. مايحصل اليوم هو صراع بين قطبين طرف يستقوي بهيمنته على سلطة القرار، وطرف هش وضعيف وصامت، ولا اقصد بالضعيف هنا المرأة وانما من يساهم جديا بإضعافها، مع انهم يشكلون الأغلبية لكنها تلتزم الصمت وتختفي وراء شعورها بالعجز من الاكاديميين والمثقفين وأصحاب الكفاءة والشهادات! كل الحركات الثورية والتغييرات الاجتماعية اعتمدت في نواتاتها على الأصوات المدنية ومن البسطاء والعمال والكفاءات، بينما شهدت السنوات المنصرمة حالة من النكوص قد تكون أسبابها فقدان الأمل في التغيير او ان مصالح فئاتها الأكثر تاثيرًا تدفعها الركون الى الصمت واللاإرادية.! ان افراغ هذا القانون من محتواه الذي شرع من اجله من شأنه العبث بالأسرة والطفولة والحياة الاجتماعية. ويدخل ليفسد ادق التعاملات الحياتية، ويقرر مصير الفرد ولا يمكن الحيلولة دون ذلك بالسكوت او التأييد للصوت الاخر بضغط زر الإعجاب على الفيسبوك! والحركات النسوية والمنظمات المجتمعية غير قادرة لوحدها على مجابهة هذا المد الديني المتطرف الهائل المعزز بكل الأدوات من الداخل والخارج. كما ان وسائل الإعلام تنأى بنفسها عن الدخول في خانة التاييد اوالتضامن او التبني خلافا لاجنداتها ومرجعياتها المصلحية. لن ندخل في باب التفسير لان النوايا مكشوفة وما يندرج من طرح في البرلمان، مبيت له من لحظة تمكن بعض الجهات السياسية من السيطرة والهيمنة على مفاصل الدولة، فمثلا قانون الاحوال الشخصية تم طرحه بمناسبة ودون مناسبة لأربع مرات خلال العشرون سنة المنصرمة. في عام ٢٠٠٣ بعد سقوط النظام اعلن بول بريمر عن إلغاء قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959: بالتواطؤ مع بعض القوى الممثلة في مجلس الحكم، وذلك بإصدار قرار ١٣٧ في ٢٩ كانون الاول عام ٢٠٠٣ والذي ينص على طبيق احكام الشريعة الاسلامية فيما يخص الزواج والخطبة وعقد الزواج والاهلية واثبات الزواج والمحرمات وزواج الكتابيات والحقوق الزوجية من مهر ونفقة وطلاق وتفريق شرعي او خلع والعدة والنسب والرضاعة والحضانة ونفقة الفروع والاصول والاقارب والوصية والايصاء والوقف والميراث وكافة المحاكم الشرعية (الاحوال الشخصية) وطبقا لفرائض مذهبه. وإلغاء كل القوانين والقرارات والتعليمات والبيانات واحكام المواد التي تخالف الفقرة (1) من هذا القرار.وتمت مجابهة هذا القرار بردود فعل شعبية واسعة رافضة. وفي العام ٢٠٠٤ طالب العديد من الشخصيات والمنظمات عبر مختلف الوسائل الاحتجاجية، بإلغاء القرار رقم ١٣٧، خوفا من تكريس الظلم والتعسف تجاه النساء والأطفال الذين يشكلون ثلثي المجتمع، على وجه التقريب وأثمرت النضالات المتواصلة من الغاء القرار التعسفي المذكور. وبعدها في العام ٢٠٠٥ تم وضع نص في الدستور العراقي في مادته ال (٤١) ما هدف إليه القرار 137 الذي ينص "العراقيون أحرار في الإلتزام بأحوالهم الشخصية كل حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أواختياراتهم، وينظم ذلك بقانون". جوبهت هذه المادة برفض الحركة النسوية العراقية مرة اخرى، وفي جولة اخرى تكاتفت العديد من الإرادات لتجميد هذه المادة وعدم نفاذها إلى يومنا هذا. بعدها في شباط عام ٢٠١٤ أحال مجلس الوزراء مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري الى مجلس النواب لغرض تشريعه. وقد أثار هذا المشروع ردود افعال كثيرة، وقوبل بحركة إحتجاج ملموسة من قبل الناشطات في منظمات المجتمع المدني. واليوم في مجلس النواب تنتظرنا مشاريع لقوانين اخرى اولها قانون الحق في حرية التعبير والتجمع والتظاهر السلمي وبتمريرها سيفتح الباب لتشريعات وقوانين اخرى تجردنا من سويتنا الانسانية. تكميم الأفواه والسيطرة والهيمنة الكاملة على مقدرات المجتمع هي الهدف الأوضح بين حزمة اهداف جماعة الإسلام السياسي، ولنا ان نعي ذلك ونقف دقيقة محاسبة لذواتنا، فإما ان نمارس حقنا بالرفض او ان ندفن رؤسنا بالتراب لنحمي انفسنا من الخطر القادم.. واعوذ بالله ان يكون هذا حال العراق.

مشاركة :