في قاعة القصر الكبير (غران باليه)، جاءت الجولة الأولى حذرة للغاية، حسمتها الإيرانية بثلاث نقاط قبل نهايتها بثلاث ثوان. وفي الثانية، حاولت أبو طالب التعويض، لكن الإيرانية وجّهت ركلة خلفية رائعة من فوق الرأس، منحتها 3 نقاط وبالتالي الجولة الثانية (4-2). واخفقت أبو طالب في تعزيز رصيد السعودية في الألعاب البالغ فضيتين للعداء هادي صوعان في سباق 400 م حواجز في دورة سيدني 2000، ولاعب الكاراتيه طارق حامدي في وزن +75 كلغ في طوكيو صيف 2021، وبرونزيتين للفارس خالد العيد في قفز الحواجز في سيدني 2000 ومنتخب الفروسية في قفز الحواجز في لندن 2012. وكانت رابع مواجهة خاضتها أبو طالب الأربعاء. فازت على الاسرائيلية أبيشاغ سيمبيرغ 2-1، ثم خسرت في ربع النهائي أمام حاملة اللقب التايلاندية بانيباك وونغباتاناكيت (9-2). في النزال الأوّل، وبعد تأخّرها في الجولة الأولى 2-6، كانت أبو طالب في طريقها لخسارة الثانية عندما تقدّمت الاسرائيلية 4-1، بيد أن السعودية حققت ركلة على الرأس قلبت النتيجة لمصلحتها. وفي الجولة الثالثة الحاسمة، جاء النزال من طرف واحد، حيث اكتسحت أبو طالب خصمتها 10-0. احتفلت السعودية بفوزها، فيما أجهشت سيمبيرغ، حاملة برونزية أولمبياد طوكيو صيف 2021، بالبكاء. في النزال الثاني، كانت الأفضلية واضحة للتايلاندية المصنفة أولى عالمياً، إذ تقدمت على ابنة السابعة والعشرين 4-1 في الجولة الأولى، ثم حسمت النزال بفوزها في الثانية 13-3. في الثالثة ضمن الدور الأول من الملحق، فازت على المغربية أميمة البوشتي 2-0 (2-0 و7-0). أمام البوشتي التي تقاسمت معها الفوز في نزالين سباقين، تفوّقت الفتاة المحجّبة السمراء منذ البداية ولم تمنح لخصمتها فرصة تسجيل أي نقطة. مع الصبيان بدأت أبو طالب ممارسة التايكوندو مع الصبيان في ظلّ عدم السماح للنساء بممارسة الرياضة آنذاك، لكنّ بطلة آسيا وأوّل سعودية على الإطلاق تتأهل للأولمبياد عبر التصفيات كانت تحلم بالحصول على ذهبية أولمبية في باريس، لم تعد ممكنة بعد خسارتها أمام التيلاندية. بدأ مشوار الفتاة صاحبة الابتسامة الواسعة التي تحظى حالياً بدعم واهتمام حكومي كبيرين وتنتشر صورها على اللافتات في الشوارع، مع الصبيان، في ظلّ عدم السماح للسعوديات بممارسة الرياضة حتى سنوات قليلة مضت. قبل مشاركتها في باريس، قالت لوكالة فرانس برس بعد أن انتهت من حصة تدريبية مسائية في أبها في جنوب غرب المملكة "بدأت التايكوندو حين كنت في الثامنة من عمري ولم يكن هناك دعم مثل الآن". واسترجعت البدايات الصعبة بابتسامة كبيرة "كنت دائماً العب مع الصبيان في مركز أولاد أصلاً دون بنات. كنت ألبس ايسكاب (غطاء للرأس) لأغطي شعري حتى لا أظهر انني بنت". وقالت الفتاة المتحدّرة من مدينة جدّة الساحلية بتحدٍ إنّ معاركة الرجال "ميّزتني وجعلتني قوية. أنا أحبّ التحدي". ولعقود كانت المملكة الخليجية الثرية مغلقة اجتماعياً ولا تسمح للنساء بممارسة الرياضة. جاءت أول مشاركة لرياضية سعودية في الأولمبياد عبر لاعبة الجودو وجدان شهرخاني خلال دورة لندن 2012 وعبر دعوة خاصة، لكنّها خسرت بعد 82 ثانية فقط، فيما حلّت سارة عطار أخيرة في تصفياتها ضمن سباق 800 م. ومنذ أن أصبح الأمير محمد بن سلمان وليّاً للعهد في 2017، خفّفت السعودية من حدّة القيود المفروضة على النساء، فسمحت لهن بقيادة السيارات وشجعتهن على العمل في مختلف القطاعات. رفعت السلطات حظراً على دخول النساء لملاعب كرة القدم وأطلقت دوري كرة القدم للنساء ومنتخباً وطنياً. واستفادت أبو طالب من هذه الإصلاحات الاجتماعية فنالت دعماً كبيراً من الاتحاد المحلي للعبة. حلم بالذهب انطلقت اللاعبة الحائزة على إجازة في الحقوق والتي لم تمارس مهنة المحاماة بعد، لتحصد أوّل ذهبية على الإطلاق للاعبات السعوديات في البطولة العربية في الإمارات في شباط/فبراير 2020. ورغم إخفاقها في التأهل لأولمبياد طوكيو صيف 2021، تمكّنت من تحقيق برونزية وزن 53 كلغ في بطولة آسيا 2022، وبرونزية وزن 49 كلغ ببطولة العالم في المكسيك في العام ذاته. وفي آذار/مارس الفائت، باتت أبو طالب أوّل سعودية على الإطلاق تتأهل للأولمبياد عبر التصفيات، قبل أن تُتوج بذهبية بطولة آسيا 2024، الأولى للتايكوندو السعودي على الإطلاق. نتائج سمحت لها بالصعود إلى المركز الرابع عالمياً في وزن -53 كلغ. وقرب لافتة كبير تحمل صورتها داخل صالة التايكوندو في أبها، قالت أبو طالب "منذ البداية كنت أحلم بأنّ أكون بطلة للعالم وأشارك في الاولمبياد وأفوز بالذهب".
مشاركة :