من أشهر المواقع الأثرية في منطقة تبوك تيماء، حيث يوجد فيه عددٌ من الآثار مثل: سور المدينة القديمة، قصر الرضم، قصر الحمراء، قصر الأبلق، بئر هداج، قصر ابن رمان، المباني الطينية، قنوات المنشآت المائية، وأبراج مراقبة. أما قصر الأبلق فلهذا الحصن شهرة تاريخية عظيمة في الكتب العربية وفي الشعر العربي، وينسب بناؤه إلى عاديا الجد الأول للسموأل، على رأي من يرى أن أبا السموأل هو غريض بن عاديا، يقول أحد المؤرخين في وصفه: كان مبنياً من حجارة سود وبيض وقيل: سمي الأبلق؛ لأن في بنائه بياض وحمرة وقيل: لأنه بني من حجارة مختلفة الألوان. وآثار حصن الأبلق لا تزال باقية وهو مبني من الحجارة لا من اللبن كما ذكر بعض المؤرخين. اشتهر هذا الحصن بمنعته وحصانته، وارتبط لحصانته بالمثل المنسوب إلى الزباء ملكة تدمر في النصف الثاني للقرن الثالث الميلادي حين قالت: (تمرد مارد وعز الأبلق)، وهذا المثل يوضح لنا قدم الأبلق، إذ إن الزباء هذه عاشت في القرن الثالث الميلادي وقتلت سنة 273م، وهذا يدل على أن هذا الحصن كان قديماً وأن إضافة بنائه لأناس تأخروا عن هذا الزمن قد يكون من قبيل التجديد والإصلاح. كما نسب في بعض الكتب العربية القديمة بناء هذا الحصن إلى سليمان بن داود عليه السلام، وهي نسبة تعتمد على ما هو معروف عند العرب من نسبة كلّ بناء قوي إلى سليمان الذي سخر الله له الجن والشياطين، يعملون له ما يشاء من الأعمال العظيمة، وهناك أبنية وآبار في الجزيرة نسبت إلى سليمان عليه السلام. والعرب ينسبون كل مستطرف من البناء إلى سليمان بن داود عليه السلام، كما ينسبون كل قديم إلى عاد». وقد ذكر الشاعر الشهير الأعشى (شاعر منفوحة: حي من أحياء الرياض حالياً) الذي عاصر بداية بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر حصن الأبلق، وأن الحصن كما ذكر الأعشى بناه سليمان بن داود عليه السلام، حيث قال: أرى عادياً لم يدْفع الموتَ ماله وفردٌ بتيماء اليهودي أبلق بناه سليمان بن داودٍ حقبَةً لَه أزجٌ عالَ وطَيُّ موثّق يوازي كُبَيدَات السّماء ودونه بلاطٌ وداراتٌ وكلْس وخَنْدق به درْمَكٌ في رأسه ومشَاربٌ ومسْكٌ وريحانٌ وراحٌ تصّفّق وحور كأمثال الدُّمى ومناصف وقدرٌ وطبّاخ وصاع وديْسَقُ فذلك لم يَعْجزْ من الموت ربه ولكن أتاه الموت لا يتأبّق وللشاعر الأعشى ارتباط آخر بتيماء فقد هجا الأعشى رجلاً من كلب، ثم أنه وقع في أسره من غير أن يعرفه، ومرَّ الكلبي بشريح بن السموأل صاحب تيماء، بحصنه الأبلق والأعشى مأسور معه، فقال الأعشى لشريح: شرَيْحُ لا تتركنِّي بعدما عَلقت حبالك اليوم، بعد القيْد أظفاري قدْ جُلْت ما بين بانِقْيَا إلى عَدَنٍ وطال في العُجْم تكراري وتسياري فكان أكرمهم عَهْداً وأوثقهم عَقْداً أبوك بعرف غير إنكار كالغيث ما استمطروه جاد وابلُه وفي الشدائد كالمستأسد الضاري كُنْ كالسموأل إذا طاف الهمام به في جحْفَل كسواد الليلِ جَرَّار إذْ سامَهُ خُطَّتَي خَسْفٍ فقال له: قل ما تشاء فإني سامع حَارِ فقال: غَدْرٌ وثكل أنتَ بينهما فاختر وما فيهما حظ لمختار فشكَّ غير قليل ثم قال له: اقتل أسيرك، إني مانع جاري وسوف يُعْقِبُنِيه إن ظفرْت به ربٌ كريمٌ، وبيضٌ ذات أطهار لا سِرُّهُنَّ لدينا ذاهبٌ هَدَراً وحافظاتٌ إذا اسْتُودِعْن أسراري فاختار أدرُعه كي لا يسَبَّ بها ولم يكن وعده فيها بِختار فجاء شريح إلى الكلبي فقال له: هبْ لي هذا الأسير، فوهبه له، فطلب شريح من الأعشى أن يقيم عنده ليكرمه ولكنه طلب منه ناقة ناجية ركبها ومضى، ولما عرف الكلبي أنه الأعشى أرسل إلى شريح يطلبه فأخبره بذهابه. وقبل ظهور الإسلام يتكرر اسم تيماء في الشعر الجاهلي، في شعر امرئ القيس وفي شعر النابغة وغيرهما. وزادت شهرة هذا الحصن بارتباطه بالسموأل الذي اشتهر بالوفاء، حيث ضحى ابنه في سبيل المحافظة على ما أودع لديه. وملخص تلك القصة هي: لما أراد امرؤ القيس الشاعر الذهاب إلى قيصر ملك الروم أودع عند السموأل دروعاً, فلما مات امرؤ القيس غزاه ملك من ملوك الشام لأخذ الدروع فتحرز منه السموأل فأخذ الملك ابنا له وكان خارج الحصن، وصاح بالسموأل، فأشرف عليه فقال: هذا ابنك بين يدي، وقد علمت أن امرؤ القيس ابن عمي ومن عشيرتي وأنا أحق بميراثه، فإن دفعت إلي الدروع وإلا ذبحت ابنك فقال: أجلني فأجله فجمع أهل بيته وشاورهم فأشاروا كلهم بدفع الدروع فلما أصبح أشرف على الملك وقال: ليس إلى دفع الدروع من سبيل فاصنع ما أنت صانع، فذبح الملك ابنه وهو مشرف ينظر إليه، ثم انصرف الملك بالخيبة، فوافى السموأل بالدروع الموسم – فدفعها إلى ورثة امرئ القيس. قال الشاعر: وفيت بأدرع الكندي إني إذا ما خان أقوام وفَيْتُ وأوصى عادياً يوماً بألاّ تُهَدِم يا سموأل ما بَنَيتُ بنى لي عادياً حِصْناً حصيناً وماءً كلما شئتُ ارتويت وقال الربيع بن ضبع الفزاري: ولقد أتيت بني المضَاضِ مفاخراً وإلى السموأل زُرته في الأبلق فرأيت أفضل من تحمّل حاجة إن جئته في غارم أو مُرهق عرفتْ له الأقوام كل فضيلة وحوى المكارم سابقاً لم يُسْبَق والسموأل شاعر حكيم صاحب القصيدة المشهورة التي مطلعها: إذا المرء لم يدْنس من اللؤم عرضهُ فكلُّ رداء يرتديه جميلُ وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيلُ ويتصف السموأل بالأمانة ووفاء بالعهد والحلم وذكر بنفسه بعض هذه الصفات حيث قال: إنّ حلْمي إذا تغَيّب عَنّي فاعْلَمِي أنّني عظيماً رزيتُ ضَيّقُ الصدْر بالخيانة لايَنْـ ـقص فقْري أمَانَتي ما حييتُ كَمْ فظيعٍ سمعته فتَصَاممـ ـتُ وغيِّ تركته فكفُيتُ ليتَ شِعْري وأشْعُرَنّ إذا ما قرَّبُوها منشورةً، ودِعيتُ إلِيَّ الفَضْلُ أمْ عَلَيّ إذا حو سِبْتُ، إنّي على الحساب مقيتُ ميت دهْر قد كُنْتُ ثم حَييت وحياتي رهْنٌ بِأنْ سأموتُ وقال الآخر: بالأبلق الفرد من تيماء منزلهُ حصنٌ حصين وجارٌ غير غدّار وقال الشاعر: لنا جبل يحتله من نجيره منيع يردّ الطرف وهو كليل هو الأبلق الفرد الذي سار ذكره له غررٌ مشهورة وحجول ومن الأمثال العربية: (تمرد مارد وعز الأبلق): مثل شهير جمع بين مكانين غاليين، وهما دومة الجندل وتيماء: كن كالسموؤل إذ سار الهمامُ له في جحْفلٍ كسواد الليل جرّارِ بالأبلق الفرد من تيماء منزلة حصنٌ حصينٌ وجارٌ غير غدار كما توجد جانب أطلال القصر من الخارج آثار لبئر منحوتة في الصخر قطرها 5م، ووجد حولها حزّ الحبال التي كانت تستخدم في رفع الماء وحوض للمياه، ومجموعة من القنوات. كما عثرت على كسر أوان فخارية تعود إلى العصر الحديدي. يقول الجاسر: حصن الأبلق، كانت على الأرجح حظيرة مربعة، محاطة بجدار عالٍ أقيمت المساكن الصغيرة تجاهه، وفي الوسط ساحة مكشوفة وكان الدخول إلى هذه القلعة عن طريق مدخل واحد أقيم في الحائط كما كانت الساحة تستعمل سوقاً. ويقول في مكان آخر: «وأرى أن حصن السموأل كان يشمل كل مدينة تيماء فقد أحاطها بسور عظيم وأحيطت من قبل أحد الملوك بذلك السور، وهو يضم قصوراً عديدة وفي داخلها أهم حدائق البلدة وكل منازلها، وتلك الحصون والمنازل هي على درجة من القوة والمحافظة على البقاء بما هو متوفر داخلها من مياه ومزارع». ويذكر الواقدي: «أنه عندما علم اليهود الذين كانت واحة تيماء تخصهم بأنباء إبادة جلدتهم في خيبر، استسلموا لمحمد وقاموا بدفع الجزية (أو الضريبة المباشرة). وقد قيل: إن الخليفة عمر قد نفى اليهود من واحات خيبر وفدك وليس من وادي القرى وتيماء، حيث أن وادي القرى كان يتبع سورية بينما كانت منطقة الحجاز تبدأ إلى الجنوب من هذا الموضع. ولا يقبل هذا التعليل حمد الجاسر فيقول: « إن التفسير الذي قيل عن امتناع عمر عن إبعاد اليهود من تيماء هو كلام ملفق ظهر في وقت متأخر وكان يتناقض مع حديث آخر الذي نصّ على أن محمداً كان قد حدد واحة تبوك كعلامة للحدود بين الحجاز وسوريا، وفي الحقيقة فمنطقة الحجاز كانت تمتد في ذلك الوقت – ولم تزل حتى جبال الشراة As-Sera ولما تغيرت الإدارة السياسية انتقلت الحدود السياسية لسوريا والحجاز بطريقة أصبح بها وادي القرى مندمجاً سياسياً مع سوريا بشكل مألوف». وقد سجل البلاذري في كتابه فتوح البلدان أن الخليفة عمر نفى السكان اليهود من واحة فدك وتيماء وخيبر. هذا بعض ما جاء في قصر الأبلق التاريخي، وهناك العديد من القصائد التي تحدثت عن روعته وشكله وأسلوب بنائه.
مشاركة :