الردع النووي و«الناتو»

  • 4/28/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

قمة «الأطلسي» المرتقبة في مطلع تموز (يوليو) المقبل في وارسو قمة شائكة، فهي قد تكون مسرح الانقسام الأوروبي والأميركي، أو منبر المزايدات أو الهروب إلى الأمام. وينتظر أعضاء حلف شمال الأطلسي جبه مسائل وازنة وثقيلة أرجأوا النظر فيها في الأعوام الأخيرة، ومنها سبل الرد على تضييق فلاديمير بوتين على أوروبا. والسؤال «الأطلسي» يدور على نجاعة ردع مجموعة «بي 3» النووية (أميركا وفرنسا وبريطانيا)، في وقت صار السلام النووي نواة العقيدة الأمنية الروسية الجديدة. وهذه مسألة لا مناص من مناقشتها، وسبق أن ساهمت في زرع التباين بين فرنسا وبين حلفائها، وتحديداً بين باريس وبرلين. فعلى سبيل المثل، في قمة لشبونة 2010، كان مشروع الدرع الصاروخية الأميركية في مثابة بديل من الردع النووي. وفي قمة شيكاغو 2012، كان شاغل المجتمعين خطط الانسحاب من أفغانستان وفي 2014 ، انشغلت القمة باحتمال استقلال بلاد ويلز (الغال) عن بريطانيا وبالتسلح الأطلسي التقليدي. ولم يتصدر الردع النووي سلم الأولويات في هذه القمم. وعلى رغم أن ما ستنتهي إليه قمة الأطلسي في وارسو، وهي أول قمة من نوعها تعقد في دولة من دول الاتحاد السوفياتي السابق، في علم الغيب، يدور الكلام في دوائر الخبراء العسكريين على هذه القمة وتحدياتها، «فمنذ 2010، تتجاهل استراتيجية الأطلسي الخطر الروسي، وغابت المسائل النووية عن خططه»، قال براد روبرتس، مستشار وزارة الدفاع الأميركية السابق في ولاية باراك أوباما الأولى في مؤتمر نظمه معهد «سيري» في جامعة العلوم السياسية («سيانس بو») بباريس. وفي وارسو، نواة النقاش هي على أي وجه يرد «الأطلسي» على الموقف النووي الروسي: هل يكون متكافئاً أم لا؟ فغياب الرد «الأطلسي» على روسيا هو بمثابة رسالة سياسية تشي بالضعف، وإذا غالى الناتو في الرد قد يفاقم الانقسام بين أعضائه. ولا مناص من مناقشة دول «بي 3» تعزيز الردع النووي في أوروبا. ويدعو نيكولا روش، مدير الاستراتيجية في قسم التطبيقات العسكرية في مفوضية الطاقة الذرية، دول الناتو إلى إعادة النظر في استراتيجياتها النووية وتحاشي الوقوع في فخين: الانزلاق إلى حرب باردة جديدة من طريق اعتبار أن مشكلات اليوم وحلولها هي صنو مشكلات الأمس وحلولها (ولا تقتضي حلولاً جديدة)، والقطيعة مع مبادئ قديمة قد ترتجى اليوم منها فائدة. وعلى هذه الدول احتساب مبادئ مثل «الردع الموسع» و «الحرب النووية المحدودة» التي تعد لها موسكو من طريق التوسل بأسلحة تكتيكية في مثل هذه الحرب. وترى كوري شايك، وهي موظفة سابقة في مجلس الأمن القومي الأميركي في ولاية جورج دبليو بوش، أن موسكو تعرف كيف تستفيد من نقاط ضعفها، فهي ترجح كفة أسلحتها النووية على كفة أسلحتها التقليدية (الحلقة الأضعف في عتادها)، جراء التفاوت الكبير بينها وبين القدرات الأميركية التقليدية. وتقر الخبيرة هذه بأن الناتو لم يرد على التدخلات الروسية في جورجيا وأوكرانيا. ولكنها تخفف من روع دول البلطيق وبولندا، التي تحسب أن روسيا قادرة على اجتياحها في 48 ساعة، قائلة إن الغلبة لن تكون للروس إذا انتهجوا استراتيجية تصعيد. ولا يوافقها براد روبرتس الرأي، فهو يرى أن الاستراتيجية الروسية من ثلاث مراحل: 1) تغيير موازين القوى (وإرساء أمر واقع جديد) على الأرض، وافتراض أن الناتو غير قادر على تكبد كلفة العودة بالأمور إلى سابق عهدها. 2) زرع الشقاق بين الأوروبيين وبين الأميركيين، وحمل الدول الأوروبية على التفكير في كلفة الرد المشترك. 3) وإذا عقد الناتو العزم على «ترميم» سيادة دولة من الدول الأعضاء، لوحت موسكو بهجوم نووي وتقليدي. وفي هذه الحروب المحلية، ترفع موسكو لواء «تباين المصالح» بينها وبين الناتو، فهي تتوسل السلاح النووي، إذ تسعى إلى إقناع الغرب بأن مصالحها الحيوية مهددة في القرم وغيره، على خلاف مصالح الناتو. وترى بياتريس هوزير، وهي أستاذة جامعة بريطانية، أن روسيا تلعب لعبة الحرب الباردة، وتدعو (هوزير) دول «الأطلسي» إلى «الخروج على الرؤية الروسية هذه». وفي سبيل تفادي سوء الفهم الذي يترتب عليه تصعيد عسكري، على دول «الأطلسي» شهر اللاءات الثلاث المدرجة في الاتفاق الروسي- الأطلسي في 1997، «لا حاجة (إلى نشر أسلحة نووية) ولا نية (لنشرها...) ولا خطط لنشر مثل هذه الأسلحة والجنود على الحدود مع روسيا». و «على خلاف الحرب الباردة حين كانت الأسلحة النووية نواة الردع، كانت العقوبات الاقتصادية في أوكرانيا السلاح الأمضى (لردع روسيا)»، يقول مالكولم شالمرز من مركز «رويل يونايتد سرفيس إنستيتيوت» اللندني. ويقترح شالمرز على «الأطلسي» الاستثمار في قدرات تسد الطريق أمام قدرات الخصم (مثل الأنظمة المضادة للصواريخ) وتعزيز التعاون مع السويد وفنلندا.     * مراسلة خبيرة في شؤون الدفاع، عن «لومــوند» الفرنســـية، 13/4/2016، إعداد منال نحاس.

مشاركة :