خلال عام 2018، تلقت شركة الوقود الحيوي التابعة لجين جيبوليس، تساؤلاً غير متوقع، مفاده «هل يمكن للشركة نقل حمولة من وقود الطيران المستدام من مصفاة كاليفورنيا إلى دافوس بسويسرا، حتى يتمكن النخبة المجتمعة في المنتدى الاقتصادي العالمي من إعادة تزويد طائراتهم الخاصة بالوقود، للقيام برحلة عودة منخفضة الكربون؟. لكن التكلفة والبصمة الكربونية المترتبة على نقل هذا القدر الهائل من الوقود إلى جبال الألب، جعلت الفكرة مدعاة للسخرية. رغم ذلك، دفع الطلب جيبوليس إلى التفكير. فغالباً ما يكون العملاء المهتمون بالبيئة على استعداد لإنفاق المزيد، مقابل استخدام منتجات صديقة للبيئة، لكنهم لا يوجدون غالباً في المكان المناسب للحصول عليها. ولا بد من وجود وسيلة للربط بينهما. وبعد 6 سنوات، تسهم شركته وورلد إنرجي في ريادة طريقة جديدة لخفض إجمالي الانبعاثات الكربونية في قطاع الطيران. ورغم أنها ليست مثالية، إلا أنها توفر طريقة لتسريع إزالة الكربون في بعض من أصعب القطاعات. وتستخدم شركة وورد إنرجي دهون النفايات والزيوت والطاقة المتجددة، لإنتاج وقود يمكن أن يخفض انبعاثات الكربون بنسبة تصل إلى 70 %، وفقاً لما قالته الحكومة البريطانية. ورغم أن وقود الطيران المستدام يمكن استخدامه في الطائرات الحالية دون معدات خاصة، إلا أن تكلفة إنتاجه أعلى من وقود الطائرات التقليدي، ما يعني أن المشترين التقليديين، مثل شركات الطيران، سيترددون في دفع ثمنه. من ناحية أخرى، يمكن للشركات الأخرى التي تسعى لخفض بصمتها الكربونية، من خلال نقل موظفيها ومعداتها، أن تختار دفع فرق السعر، وتحصل على شهادات بخفض الانبعاثات عند خلط وقود وورلد إنرجي بوقود الطيران التقليدي، أثناء عملية التزويد بالوقود المعتادة. ويقول جيبوليس إن «مزج الوقود يسمح للأسواق بأداء وظيفتها، فهي تطلق العنان للرأسمالية، بحيث يمكنك بيع منتج لعملاء بحاجة إليه حقاً». ووقعت 9 شركات، بما في ذلك مجموعة بوسطن الاستشارية، صفقات مع شركة وورلد إنرجي، تمتد حتى عام 2032، بينما هناك 11 شركة أخرى في مرحلة التفاوض. وتشبه هذه الشهادات إلى حد كبير، تعويضات الكربون، وهي الاعتمادات الطوعية المثيرة للجدل، التي تشتريها الشركات، لتثبت أنها تسهم في تقليل الانبعاثات بأماكن أخرى، وتتم غالباً عن طريق زراعة الأشجار، أو توفير مواقد طهي نظيفة. لكن هناك فارق جوهري يجد بعض الصعوبات، التي دفعت أبرز سلطة في العالم المعنية بأهداف المناخ للشركات، إلى التصريح بأن تعويضات الكربون «غير فعالة» تقريباً. أما المزج فيعمل على خفض الكربون بطريقة يمكن تتبعها داخل سلاسل التوريد المعنية، وليس من خلال أنشطة منفصلة. وتستخدم شركة وورلد إنرجي سجلات رقمية، لتتبع الوقود الفعلي، ومنع الازدواجية في الحساب والاحتيال المباشر، والتي أدت إلى اكتساب تعويضات الكربون سمعة سيئة. وقالت دراسة صدرت مؤخراً عن وزارة الخزانة الأمريكية، حول أسواق الكربون الطوعية، إن مزج الوقود خيار أفضل من التعويضات للمشترين من الشركات. ويعزز هذا النهج الاستثمار في أساليب الإنتاج الصديقة للبيئة، وذلك لأن عقود الشركات لسنوات عديدة، تسهم بشكل أساسي في تأمين الطلب. ويبدو أنه يكتسب زخماً، حيث تعهدت جي بي مورغان تشيس ونتفليكس وشركات أخرى، خلال شهر أبريل، بشراء قرابة 50 مليون غالون بشهادات خفض الانبعاث، ما يعني توجيه نحو 200 مليون دولار إلى القطاع. وهناك حاجة ماسة إلى هذا النوع من اليقين، خاصة أن بعض الشركات الكبرى تعمل على تقليص أو إعادة النظر في خطط إزالة الكربون. على سبيل المثال، أوقفت شركة شل مؤخراً تطوير مصنع ضخم لإنتاج الوقود الحيوي، لإعادة تقييم الجدوى الاقتصادية للمشروع. لكن هناك انتقادات لشهادات وقود الطيران المستدام، وغيرها من عمليات مزج الوقود، حيث يحذر خبراء البيئة من أنها قد تعوق الهدف النهائي للحد من الاحترار العالمي، لأنها تنهي الضغوط على الشركات والأفراد لتغيير سلوكهم. ومن خلال الشهادات، تدفع الشركات طوعاً، المزيد مقابل رحلاتها، بدلاً من تقليل عدد الرحلات الجوية. إضافة إلى ذلك، قد تكون هذه الشهادات عرضة لممارسات الاحتيال وسوء الاستخدام، على غرار التعويضات. رغم هذا، فإن النهج الأساسي يُظهر إمكانات حقيقية لإزالة الكربون من الصناعات الثقيلة. وحالياً، تتضمن أكثر الوسائل الواعدة لإنتاج الصلب الأخضر أفراناً تعمل بالكهرباء والهيدروجين بدلاً من الفحم، وسيعمل هذا بشكل أفضل، عندما تكون هناك إمدادات وفيرة من الطاقة المتجددة من مصدر قريب. وإذا لم يكن إنتاج الصلب الأخضر يتم في مكان ملائم لشركات صناعة السيارات أو البناء، فإن شراء شهادة إزالة الكربون، أفضل لهذا الكوكب من الدفع مقابل نقل الإمدادات في جميع أنحاء العالم. وعلى المدى الطويل، يمكن لهذه الأسواق أن تفعل الكثير. وإذا كنا نسعى للحفاظ على درجات حرارة عالمية قابلة للإدارة، فلا بد من إيقاف تشغيل المنشآت الصناعية كثيفة الكربون واستبدالها. لكنها على الأقل تمثل نقطة انطلاق. تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز كلمات دالة: FT Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :