مشاركة «حكماء المسلمين» في المؤتمر الخامس والعشرين للفلسفة

  • 8/9/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تكتسب مشاركة «مجلس حكماء المسلمين» في المؤتمر العالمي الخامس والعشرين للفلسفة، الذي انعقد بين الأول والثامن من أغسطس 2024، بالعاصمة الإيطالية روما، أهمية رمزية كبرى، تُضاف إلى ما تمثله أنشطة المجلس من تطوُّر بمفهوم العمل الفكري الإسلامي وقدرة على فتح الآفاق أمام التحرك في ساحات إنسانية وفكرية أوسع، تخرج بالمنظمات الفكرية الإسلامية من النطاق الضيق الذي التزمته زمنًا طويلًا، وتعيد تعريف المجالات والحقول البحثية والفعاليات العلمية التي يجب أن يكون الصوت الإسلامي الرشيد والواعي والمدرك لمسؤولياته حاضراً ومؤثراً فيها. ويمكن الإشارة إلى مبادرة سابقة للمجلس تجسّدت فيها هذه السمات، وهي «القمة العالمية لقادة الأديان من أجل المناخ»، فقد أطلقها المجلس العام الماضي بمناسبة احتضان دولة الإمارات مؤتمر «كوب 28»، وانعقدت فعالياتها يومي 6 و7 ديسمبر 2023، لتجمع قادة دينيين كباراً من مختلف الأديان والعقائد، من أجل التحاور والنقاش المشترك حول قضية مهمة للإنسانية، بهدف استثمار القوة الروحية للأديان في العالم لتكون حياة البشر أفضل، ولتجنيبهم ما يمكن أن يتعرض له العالم من مشكلات بسبب الآثار السلبية لتغير المناخ. وإذ يطلق «مجلس حكماء المسلمين» مثل هذه المبادرة، وغيرها، فإنه يضع العلماء المسلمين أمام واجبهم في التعاطي مع القضايا الراهنة، وتطوير مقاربة إسلامية تُذكي قدرات الاجتهاد لديهم، على النحو الذي يُثري الفكر الإسلامي ويوسع آفاقه ويُسهم في إطلاق حراك فكري ديني معاصر يتفاعل مع المتغيرات العلمية والفكرية المتسارعة في العالم، ويستوعبها، ويُقدِّم حلولًا لإشكاليات كبرى تسمح للفكر الإسلامي بالخروج من مربع «الأزمة» الذي لازمة طويلًا. وبالعودة إلى المؤتمر الخامس والعشرين للفلسفة، فقد كانت مشاركة مجلس حكماء المسلمين ضمن جلسة بعنوان «أرسطو- بوذا- كونفوشيوس- الإسلام.. الحكمة القديمة في مواجهة التَّحديات المعاصرة»، وقدَّم فيها المجلس رؤية إسلامية للعلاقة بين الأديان والعقائد التي يحفل بها العالم، أكَّد فيها أن تحقيق شروط العيش المشترك بين وجهات النَّظر المختلفة، في عالم أصبح صغيراً ومترابطاً، يبدأ بالاعتراف بالتنوع الثقافي باعتباره جزءاً أساسيّاً من حقوق الإنسان، بخلاف الواقع الذي تُؤسسه جملةُ التوترات والصراعات التي تعيشُها بعض المجتمعات وما ينتج عنها من نفيٍ واستبعادٍ للآخَر المختلِف. كما توقفت كلمة مجلس حكماء المسلمين لدى فكرة المحاضرة ذاتها، وما تحمله من رمزية حول قدرة التعاون الفكري بين الشرق والغرب على الإسهام في حل معضلات كبرى في العالم من أجل خير البشرية، وقدرة الأديان والفلسفات على أداء دور مؤثر في هذا الجانب، مع الإشارة إلى أن رسالة المجلس، بوصفه مؤسسة تجمع كوكبة من علماء الدين الإسلامي الكبار، تهدف إلى نشر قيم التسامح وتعزيزها والتعايش السلمي، وتؤكِّد أهمية تحالف الأديان والفلسفات الكبرى، من أجل الإسهام في الرُّقي بالفكر الإنساني ورفع مستواه، وتحقيق التنمية والتواصل الحضاري، وصولًا إلى بناء السلام والاستقرار الدائم. ولا تقتصر أهمية مثل هذه المشاركات في الملتقيات الفكرية العالمية الكبرى على ما تقدِّمه مؤسسة إسلامية متخصصة من فهم صحيح لرحابة الإسلام ولعلاقته بالأديان والعقائد الأخرى ورؤيته المتسامحة للكون والإنسان فحسب، بل يعتمد جزءاً كبيراً من الأهمية على أن طرح هذه الأفكار يأتي في توقيت يُساء فيه فهم الإسلام بسبب جماعات التطرف التي اختطفت الدين وجعلته في مخيلة كثير من الناس حول العالم مرادفًا للعنف والانغلاق والكراهية. إن مجلس حكماء المسلمين، بمشاركته المميزة تلك، في مؤتمر عالمي ينظمه الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية، والجمعية الفلسفية الإيطالية، وجامعة سابينزا الإيطالية، إنما يصحح مساراً كانت فيه جماعات التطرف والإرهاب المتسترة بالإسلام تعادي الفلسفة وتحاربها وتصوِّرها خروجاً على الدين، وتفرض رؤيتها هذه على المجتمع، فيما يحفل التاريخ الحضاري للإسلام في عصور ازدهاره بإسهامات فلسفية احتلت موقعاً مهماً ضمن تراث الفكر الإنساني. وجدير بهذه التحركات أن تشجع منظمات ومؤسسات إسلامية أخرى على السير على الطريق نفسها، لتصويب المفاهيم وإعادة الفكر الإسلامي وعلاقته بالذات والعالم إلى المسار السليم. *صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية

مشاركة :