حين قارن الراحل إدوارد سعيد ذات يوم بين عدد مراكز الأبحاث الأمريكية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط وبالتحديد في شجون العرب وبين مثيلاتها في العالم العربي انتهى إلى إشارة تعجب! وتكرر ذلك على نحو آخر في دراسة للدكتور وميض نظمي عن مراكز البحث في العالم العربي بالنسبة لمثيلاتها في دول أخرى ومنها الدولة العبرية، فأضاف إشارة استفهام كبرى إلى إشارة التعجب التي اختتم بها إدوارد سعيد حديثه. وقد لا نضيف جديداً إذا قلنا إن الشعار الذي رفع بعد يونيو/ حزيران 1967 وهو اعرف عدوك كان يجب أن يقترن به شعار آخر مضاد له وهو اعرف صديقك أو حليفك. فالمعرفة في هذا السياق ليست مجرد حزمة من المعلومات التي يمكن الحصول عليها من أي أرشيف، إنها الوعي بالآخر، سواء كان عدواً أو صديقاً، لأن هذه الثنائية ذات الظاهر الأخلاقي ليست من ثوابت السياسة، فعدو الأمس قد يكون حليف الغد والعكس صحيح أيضاً. ولا ننكر أن هناك في العديد من العواصم العربية مراكز أبحاث ودراسات في مختلف الميادين لكنها أقل بكثير مما يستحقه عالم عربي سيصبح تعداده الديمغرافي قريباً نصف مليار ويعيش على مساحة ربما كانت المساحة الحرجة بامتياز في هذا الكوكب، وما نبّه إليه ألكسندر هيغ وزير خارجية أمريكا الأسبق حول مضاعفة عدد مراكز البحث حول العالمين العربي والإسلامي كان له أهداف استراتيجية تتخطى ما هو أكاديمي، إذ بقي الاستشراق في الصميم من عمل تلك المراكز والتي تقدم المعلومات والتقارير لصانعي القرارات في الحرب والسلم معاً. وقد تكون المستقبليات أو الدراسات المتعلقة بالمستقبل من أهم ما يحتاجه العالم العربي الآن، فالمستقبل لم يعد رجماً بالغيب أو قراءة طوالع يمارسها العرّافون وقارئات الفناجين، إنه علم وإحصاءات باعتباره حاصل جمع للمكنات التي يمكن رصدها في الحاضر. إن من يجهل عدوه وصديقه لا بد أن يكون جاهلاً بنفسه بعكس الموعظة السقراطية الشهيرة.
مشاركة :