يخشى القطاع الصحفي في العراق من تمرير قانون حق الحصول على المعلومة الذي يعتبره بعيدا كل البعد عن اسمه، ويقول صحافيون إن هناك خللا وغيابا لفهم هذا الحق فالمفهوم لا يزال مضللا وغير واضح بالنسبة إلى مجلس النواب واللجان التي تدفع من أجل إقراره. بغداد - حذرت لجنة الثقافة والإعلام النيابية العراقية من صيغة مسودة قانون "حق الحصول على المعلومة”، وقالت إنها “مُلغّمة"، و"تحتوي على الكثير من القيود التي تفرض على الصحافيين والناشطين والمهتمين في الشأن السياسي". وأضافت عضوة لجنة الثقافة والإعلام النيابية نور نافع في حديث لوكالة شفق نيوز أن "لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب تعمل على تعديل بعض المواد وتنضيج القانون بما يخدم المصلحة العامة وإزالة القيود التي فرضت على الصحافيين والناشطين". وأكدت نافع رفضها "تشريع القانون بصيغته الحالية”، مشددة على "تعديله من قبل أعضاء اللجنة بما يتناسب مع القانون والدستور العراقي وإزالة كل القيود التي تفرض على الصحافيين والإعلاميين والباحثين عن المعلومة". وأنهى مجلس النواب الأربعاء 14 فبراير 2024 القراءة الأولى لمشروع قانون الحصول على المعلومة. وفي 4 أكتوبر 2023 أقرّ مجلس الوزراء العراقي مشروع قانون حقّ الحصول على المعلومة وأحاله إلى مجلس النواب لغرض تشريعه. ودعا مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية رئاسة مجلس النواب وأعضاء المجلس إلى الأخذ بالملاحظات الجوهرية التي قدمها الصحافيون والحقوقيون والمطالبة بتضمين فصل كامل في قانون حق الحصول على المعلومة يتعلق بالصحافة وعمل الصحافيين نظراً لما يمثله الصحافيون من كوادر مدربة وقادرة على التعاطي مع المعلومات جمعاً وكتابة وتفسيراً. وحذّر صحافيون من مغبة تشريعه وتمريره في ظل الظروف الحالية، لأسباب عديدة جوهرية تتعلق ببنية النظام السياسي والسلطة، وغياب البنية التحتية التي تساهم في تنفيذه، علاوة على أن المسودة المطروحة الآن بعيدة كل البعد عن ضمان هذا الحق. ويقول الصحافيون إن هناك خللا وغيابا لفهم حق الحصول على المعلومة وإن هذا المفهوم لا يزال مضللا وغير واضح بالنسبة إلى مجلس النواب واللجان التي تدفع من أجل إقراره. وبالتزامن مع إنهاء تقرير ومناقشة مشروع قانون الحصول على المعلومات تحت قبة البرلمان تتزايد مخاوف الصحافيين من أن يتضمن القانون بنوداً قد تضيّق على حرية العمل الصحفي وتستغل لتكميم الأفواه في العراق. وتتمثل المخاوف في أن بعض المواد، التي تمنح السلطات الحق في تصنيف المعلومات على أنها "سرية"، قد تحد من قدرة الصحافيين على أداء دورهم الرقابي. ووصف المرصد العراقي للحريات الصحفية بنود مشروع القانون بالمثيرة "للقلق والخوف"، مبيّنا أنه وفقاً للمقترح المطروح فإن تقصي الحقائق هو أشبه بالمهمة المستحيلة. وأوضح أن "المقترح المطروح لقانون حق الحصول على المعلومة يهدد بتقييد العمل الصحفي في العراق"، لافتا إلى أن "الحصول على المعلومة وتقصي الحقائق واكتشاف بعض الخفايا والملفات، أصبحت مهمة مستحيلة وهو ما يدعو للخوف والقلق". وأضاف أن "من ينظر إلى البنود التي تضمنها مشروع قانون حق الحصول على المعلومة، فإنها تدل على انعدام حق التقصي عن بعض الملفات”، مشيرا إلى أنه "بمرور الوقت قد تتخذ قرارات، لا تحد من حق الحصول على المعلومات بل تمنع الحصول عليها". ويؤكد الوسط الإعلامي العراقي على أهمية تشريع قانون حق الحصول على المعلومة، لكن المشكلة تكمن في أن القانون بصيغته الحالية تعتريه مشاكل عديدة، فيما صرح مطلعون على الملف بأنه جرى تغيير مسودة القانون التي اشتغل عليها أهل القطاع وقدموها إلى البرلمان وحلت مكانها مسودة أخرى على مقاس السلطة السياسية. وتساءلت رئيسة مؤسسة نما للتطوير الإعلامي أمل صقر عن مدى استعداد العراق كدولة لإقرار مثل هذا القانون أو تطبيقه، قائلة "نحن كنا نعمل على هذا القانون منذ عام 2015 وعلى مدى أربعة إلى خمسة أعوام خضنا نقاشات وجمعنا الكثير من الآراء مع تجارب الدول التي سبقتنا في إقرار قانون حق الحصول على المعلومة". ◙ صحافيون يؤكدون أنه جرى تغيير مسودة القانون التي اشتغل عليها أهل القطاع وحلت مكانها أخرى على مقاس السلطة وأضافت "عملنا على صياغة مسودة لاقت ترحيبا ومقبولية في الدورة البرلمانية الثالثة، لكن مع الأسف اضطربت بعدها الأوضاع ولم نتمكن من الوصول إلى إقرار هذه المسودة، لنفاجأ بأن المسودة التي نُضجت بشكل كبير على مدى سنوات وخضعت لنقاش وآراء العديد من المنظمات الشريكة والأطراف سواء في الجهاز التنفيذي أو التشريعي، قد اختفت من البرلمان ولم تعد موجودة، وحلت محلها هذه النسخة التي أعدت من قبل هيئة النزاهة بموافقة من مجلس الوزراء، ثم أقرت من رئيس الوزراء الحالي، وذهبت إلى البرلمان بهدف التصويت عليها". ولفتت صقر إلى أنها وعددا من الناشطين والمعنيين جلسوا مع اللجنة القانونية “وأعلنا تحفظنا على هذه المسودة على اعتبار أنها مسودة هشة وتفتقر للكثير من الأمور، ومنقوصة في مسألة التعريف بمفهوم حق الحصول على المعلومة، وما هي بنوده وآلية التنفيذ، وغيرها من القضايا، والسن القانوني الذي استند عليه القانون في بناء مهمة تطبيق القانون”. ونوهت إلى أن هناك "الكثير من الأخطاء في المسودة المطروحة، وبالتالي قمنا برفض هذه المسودة ورفعنا مسودة القانون التي سبق أن عملنا عليها، وطالبنا بطاولة مستديرة للمقارنة والنقاش حول المسودتين، مع تبيان الاختلاف بينهما، وما هي الجوانب الإيجابية والسلبية فيهما، لكن الأمر لم يتم على الرغم من المحاولة على مدى الشهور الخمسة الماضية". وخلصت إلى القول إنهم ثبتوا "موقفا رافضا" لتمرير المسودة الحالية كونها ضبابية، وأنها لا تعني الصحافيين والإعلاميين فحسب، بل كل أفراد الشعب مستفيدون من القانون. ومن وجهة نظر الصحافيين فإنّ المفتاح الأساس لكل صحافي للعمل في مجال الصحافة هو قانون حق الحصول على المعلومة، وبالتالي لا يمكن العمل في مجال الصحافة والقيام بدورها في مراقبة عمل السلطات ما لم يكن هناك قانون حق الحصول على المعلومة، الذي يتيح للصحافيين الحصول على البيانات والمعلومات التي على أساسها يمكن أن يكتبوا التحقيقات والتقارير المعمقة. ويؤكدون أن الكثير من المشاكل تتضمنها المسودة الحالية للقانون، وبالتالي لا يمكن أن يتم تشريع القانون ما لم تكن هناك تحضيرات له تشمل إعداد كادر خاص لتنفيذ مهمة منح المعلومات لطالبيها، ورقمنة المعلومات الرسمية. وقال الصحافي دولفان برواري إنّه “من المفترض خلال سنة كاملة أن يتم الإعداد للبيئة والبنية التحتية لهذا القانون وإعداد الموظفين الخاصين الذين سينفذون هذا القانون، ومن ثم يتم التفكير في تشريعه”، مشيراً إلى أنّ “القانون بشكله الحالي لا يتوافق مع المعايير الدولية لقوانين حق الحصول على المعلومة". ونوه إلى أن "السلطات الحالية تسعى فقط إلى إيجاد قانون حق الحصول على المعلومة قولاً من دون أن يكون قانوناً فاعلاً أو نافذا". وحذر برواري من مغبة تشريع وتمرير مسودة القانون الحالية بقوله “لدينا مشكلة كبيرة في بنية السلطة التي لا تمثل كافة أطياف الشعب العراقي”، لافتا إلى أن “القائمين عليها لا يمثلون أكثر من 25 في المئة من أبناء الشعب العراقي، إضافة إلى أن التيارات الأخرى مغيبة بشكل كامل، ومن ضمنها التيار المدني”.
مشاركة :