حصلت على شهادة البكالوريوس عند عمر 48 عاما بعد انقطاع عشرين سنة عن التعليم.. أول بحرينية تترشح لانتخابات اللجنة العمالية بشركة بناغاز وتبعث برسالة إلى الرئيس أوباما أثناء أحداث 2011.. حصلت على جائزة التميز في العمل وعلى تكريم من اللجنة العامة لعمال البحرين.. الناشطة الاجتماعية.. امرأة الزمن الجميل وفاء علي الصديقي لـ«أخبار الخليج»: ستانتون: «في النهاية سوف ينتهي بك الحال متقبلا كل شيء في حياتك، المعاناة، المخاوف، الكره، الحب، فالحياة مثل الفيلم الدرامي»! نعم، لا مفر من الألم والمعاناة في الحياة، ولكن جميلة هي نعمة النسيان، فهي تعطي الإنسان القدرة على العيش من دون الرجوع إلى أمور قد توجعه، لكنها مهمة في الوقت نفسه كي يستطيع أن يتعايش مع ظروفه ويواصل المسيرة. وفاء الصديقي، امرأة من الزمن الجميل، كم قست عليها الحياة وظلمتها وسرقت منها طفولتها وأحلامها وطموحاتها، ومع ذلك صنعت منها إنسانا مسالما معطاء حنونا متفائلا، لتؤكد تجربتها أن أعظم النجاحات تأتي بعد أشد الصدمات، وأنه من رحم المعاناة يأتي الخير، ويولد الأمل، وأنه من باطن الغيوم السوداء ينشق شعاع النور الذي يضيء الطريق نحو السعادة والطمأنينة والرضا. لقد شاء لها القدر أن تعيش طفولة مريرة، عانت خلالها كافة أشكال العنف ضد المرأة والحرمان من كل شيء، لكنها حفرت في الصخر كي تحيي أحلامها من جديد وتحققها، حتى لو متأخرا، وبالفعل استطاعت أن تنطلق في عالم الإنجاز والعطاء على مختلف الأصعدة بعد رحلة طويلة من الشقاء، لتترك بصمة خاصة بها في عالم النساء البحرينيات. في الحوار التالي نتوقف عند أهم محطات المشوار تفصيلا: حدثينا عن معاناة الطفولة؟ لن أبالغ إذا قلت إن طفولتي كانت شديدة القسوة والمرارة، حيث عانيت فيها من كل أشكال العنف ضد المرأة والحرمان من كل شيء، وذلك بسبب عقلية أبي المحافظة وأسلوب تربيته وتعامله معنا جميعا بما في ذلك والدتي، علما بأنه كان رجل أعمال معروفا ويملك ورشة كبيرة لصناعة الأثاث وهو أول تاجر بحريني صنع الباص الخشبي، وقد نشأت في بيت يضم ثلاث زوجات له و15 ابنا وابنة، ومع ذلك لم يكن لديّ مشكلة مع زوجات أبي أو أبنائه منهن، ويمكن القول بأن طفولتنا في ذلك الوقت كانت بريئة وبسيطة، وقد تعلمت من والدتي المعنى الحقيقي للكفاح والإيثار حيث جاهدت من أجل توفير نفقاتنا من خلال عملها بوظيفة متواضعة للغاية. حرمان من ماذا؟ من أكثر الأشياء التي حرمت منها وآلمتني بشدة هو حنان الأب، ورعايته لنا معنويا وماديا، ورفضه إكمال تعليمي، حيث لم يكن هناك في ذلك الوقت قانون يلزم الأب بتعليم بناته، وحين بلغت عمر عشرين عاما تزوجت وخرجت من بيت أسرتي، وهنا بدأت حياتي من جديد بعد سنوات طويلة تعطلت فيها كل أحلامي وطموحاتي وعانيت فيها من كافة أشكال العنف بشكل عام. يقول الفنان والعسكري الأمريكي هاري دين ما أشكال العنف التي تعرضت لها؟ لقد تم ممارسة العنف ضدي في صور عديدة لفظيا وجسديا وحرمان من أبسط حقوقي كالتعليم على سبيل المثال وغيرها من أشكاله، كما عايشت تعرض والدتي وأخواتي له أيضا، وللأسف لم يكن هناك في ذلك الوقت أي قوانين تحمي المرأة وتتصدى للعنف ضدها، أما اليوم فالوضع اختلف تماما، فقد حصلت المرأة البحرينية على الكثير من المكتسبات والحقوق بفضل جهود القيادة الرشيدة ووضعها عملية تمكينها على مختلف الأصعدة والنهوض بها في الصدارة. كيف جاء قرار استئناف المسيرة التعليمية؟ لقد ظل حلم إكمال تعليمي يراودني سنوات طويلة انقطعت فيها عن التعليم تصل إلى حوالي عشرين عاما، ويمكن القول بأنني حفرت في الصخر لتحقيقه ولو متأخرا، وكنت قد تركت المدرسة إجباريا من الصف الثاني الإعدادي رغم تفوقي العلمي، وحين بلغ عمري 35 عاما قررت الحصول على شهادة الثانوية العامة من المنزل وكان لي ما أردت، وبعدها بثلاث سنوات حصلت على درجة البكالوريوس، ومن أجمل الأشياء التي مرت بي عبر مسيرتي كان تخرجي أنا وابني الأكبر في مرحلتي الثانوي والجامعة في نفس العام الدراسي، لذلك كانت سعادتي بهذا الإنجاز مضاعفة، ومازلت أطمح إلى دراسة الماجستير والدكتوراه رغم شعوري بصعوبة تحقيق هذا الطموح. كيف ترين بنات الجيل الحالي مقارنة بجيلك؟ أرى بعض بنات الجيل الحالي مدللات بعض الشيء، ويتسمن بعدم المسؤولية، وأكثر ما يزعجني منهن هو عدم الاعتبار لرأي الأم أو الأب عند الإقدام على خطوة في حياتهن، وشخصيا حاولت إنشاء علاقة قوية من الصداقة مع أبنائي مع منحهم فرص التعبير عن رأيهم، وعدم فرض أي رأي لي عليهم، أما نصيحتي الدائمة لهم في مساعدة الناس قدر الإمكان والأخذ بأيادي المحتاجين، والتحلي بالتواضع عند التعامل مع الآخرين. مبدأ تسيرين عليه؟ هناك مقولة آية قرآنية اعتدت على وضعها أمام عيني دائما عبر مسيرتي وهي «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم»، فكثيرا ما مررت بمواقف صعبة ومؤلمة في ظاهرها كانت تحمل شرا لي، ولكن مع الوقت شعرت بأنها عادت بالنفع والخير عليّ، منها على سبيل المثال ابتعاد بعض الناس عني، وهو ما أشعرني بالضيق والضجر في البداية، خاصة إذا كانوا من المقربين لي، ومع مرور الأيام اكتشفت أن الله سبحانه وتعالى فعل ذلك حبا في وحماية لي، ومن هنا تعلمت القبول والرضا بكل ما يصنعه الخالق ويضعه في طريقي. إنجازات تعتزين بها؟ لا شك أن هناك العديد من الإنجازات التي حققتها عبر مشواري وأفخر بها كثيرا ولعل أهمها أنني بعد وفاة زوجي عام 2011 تحملت مسؤولية أبنائي كاملة عقب غيابه، وهنا وجدت نفسي أطبق نظرية «فاقد الشيء يعطيه» وليس العكس كما يقال، حيث حرصت على تحقيق ما حرمت أنا شخصيا منه ومنحتهم كل الرعاية والحب والحنان، وفي فترة جائحة كورونا عملت كمتطوعة ضمن حملة التفتيش على المحلات التجارية، كما انضممت إلى أول وقفة في مسجد الفاتح في فبراير عبر اللجنة الإعلامية، إلى جانب إنجازات أخرى مهمة. أهمها؟ من أهم الإنجازات التي أفخر بها أنني كنت أول بحرينية تترشح للجنة العمالية بشركة غاز البحرين الوطنية، وكم أنا فخورة بالرسالة التي بعثتها إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما عام 2011 باللغة الإنجليزية دفاعا عن وطني الحبيب، وقد أطلقت حسابا إلكترونيا خاصا في العام نفسه على منصة «اكس» لتأدية دوري الوطني على نطاق واسع وحتى اليوم أقوم بهذه الرسالة، وتطوعت ضمن مشروع ديسكفر بحرين في 2012، حيث كنت المنسق للزيارات الميدانية لوفد من 25 دولة تابع لجمعية الكلمة الطيبة، هذا إلى جانب حصولي على عدد من التكريمات التي أفخر بها، منها تكريم من اللجنة العامة لعمال البحرين في عيد العمال، وآخر من شركة بنا غاز الوطنية، حيث كافأني الرئيس التنفيذي الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة على خطة قد وضعتها لخفض مصروفات الشركة، فضلا عن حصولي على تكريم التميز في العمل من الشركة نفسها. أول محطة في مشوارك العملي؟ بعد زواجي وخروجي من منزل العائلة يمكن القول بأنني بدأت هنا مرحلة جديدة ومغايرة تماما من حياتي وفي كل شيء، وقد قررت العمل بالشهادة الإعدادية، حيث عملت في عدة جهات منها شركة بتلكو، ثم شركة بناغاز الوطنية، بعدها في بنك تشارترد، ثم التحقت بالقطاع الحكومي في إحدى الوزارات المرموقة ومازلت أعمل بها حتى الآن. أمنية؟ بالطبع الأحلام لا ترتبط بالعمر الذي أراه مجرد رقم، لذلك يمكن القول بأن طموحاتي ليس لها سقف محدد، ويبقى الطموح الأهم هو أن تتاح لي فرصة الالتحاق بإحدى سفارات البحرين في الخارج، وذلك لتقديم الصورة الصحيحة لوطني أمام العالم، استكمالا لدوري الذي أقوم به عبر حسابي الإلكتروني الخاص على منصة اكس والذي لن أتخلى عنه طالما حييت، ويلي ذلك تحقيق حلم الحصول على رسالة الدكتوراه في مجال العلاقات العامة والاعلام، نظرا إلى شغفي الشديد بهذا الحقل، ورغم شعوري بصعوبة تحقيق تلك الأمنيات، إلا أنني كلي أمل في بلوغها.
مشاركة :