يعيش المسلمون في هذه الأيام في ظلال ذكرى الإسراء والمعراج، هذه الرحلة الإيمانية التي كانت تكريماً من الله- سبحانه وتعالى- لرسوله- صلى الله عليه وسلم-، وكانت معجزة انتقلت بها الدعوة الإسلامية من الضعف إلى القوة والانتشار، وكانت بحق رحلة إيمان وتثبيت لسيد الخلق- عليه الصلاة والسلام-، وتأتي هذه الذكرى لتملأ الأرجاء بأريج النبوة وتشدّ قلوب المسلمين إلى التأمل في هذا الحدث العظيم الذي كرَّم الله- سبحانه وتعالى- به نبينا محمداً- صلى الله عليه وسلم-، فأذهب عنه الهمَّ والغمَّ وأَكَّد مكانته عند ربه، فعاد من الرحلة المباركة منشرح الصدر واثقاً بأن الله ناصره ومتمّ نوره. فليست حادثة الإسراء والمعراج مجرد واقعة تتناولها الأقلام كحدث تاريخي مضى وانقضى عهده، أو معجزة لرسول انفصلت بزمانها عن واقعنا المعاش، وإنما هي معجزة حيَّة باقية يتردد صداها عبر المكان والزمان، وتستضيء القلوب بنورها الوهَّاج وسراجها المنير، فتسمو بذات المسلم وترقى به وتفتح أمامه أبواب القرب من الله - سبحانه وتعالى-. ومن المعلوم أن رحلة الإسراء والمعراج هي ثمار صبر السنين، وفيض عطاء الله رب العالمين لرسوله الكريم سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم، وذلك مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)، «سورة الزمر: الآية 10»، ففي عام واحد تتابعت على النبي- صلى الله عليه وسلم- الخطوب وأحاطت به المحن، فقد استخفّ به سفهاءُ قريش بعد موت زوجه خديجة- رضي الله عنها - وعمه أبي طالب، وقد كَانَا له عوناً وسنداً وسُمِّى العام الذي مَاتَا فيه بعام الحزن، واشتدَّ عليه وعلى من معه إيذاء قريش، حيث لم يَعُدْ بمكة شيء يكفّ عنه أذى الأعداء، فخرج- عليه الصلاة والسلام- إلى الطائف لعل قبيلة تواسيه، أو أحداً يؤويه، فلم يجد إلا عناداً واستهجاناً، فقد قابلوه بجفاءٍ وأغروا سفهاءَهم وأطفالهم فرجموه بالحجارة حتى دَميتْ قدمهُ الشريف، فلم تهنْ له عزيمة ونادى مولاه بقوله: إنْ لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي. ورجع إلى مكة مهموماً حزيناً، حيث لم يجد من يُعينه على تأدية رسالة ربه، وفي ظل هذه الظروف الصعبة جاءت معجزة الإسراء لتنقله من قساوة أهله إلى عناية ربه، فقد أراد الله - سبحانه وتعالى - أن يُسرِّى عنه وأن يطلعه على بعض آياته الكبرى، ويريه بعض آثار قدرته العظمى، فأسرى به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السموات العلا، فكانت رحلة الإسراء والمعراج تكريماً من الله سبحانه وتعالى لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم-. الربط بين المسجدين إنَّ من أهم العظات والعبر المأخوذة من رحلة الإسراء والمعراج هي التفكر في ربط الله- سبحانه وتعالى- بين المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد الأقصى بمدينة القدس، فهذا الربط لم يكن عبثاً، ولكنه إشارة وتنبيه لهذه الأمة حتى لا تفرط في المسجد الأقصى المبارك لِمَا لَهُ من القدسية عند الله سبحانه وتعالى، وقد تجلى ذلك الربط في أمور عديدة، منها: ... المزيد
مشاركة :