شهدت الأسواق العالمية نوبة ذعر حادة الأسبوع الماضي ــ جاءت مفاجئة ومحملة بالفوضى في عام كان من المفترض أن يكون هادئا ويمكن التنبؤ به. بدأت دوامة الفوضى في آسيا مع انهيار الأسواق اليابانية الاثنين الماضي. ثم انتشر الارتعاش في جميع أنحاء العالم حيث فقدت العملات المشفرة السيطرة مؤقتا، التي يُفترض أنها مخزن للقيمة، وانخفضت مثل كل شيء آخر. وبحلول نهاية اليوم كان من الواضح أن أسواق الأسهم الأمريكية لم تستطع التقاط أنفاسها. عمت وول ستريت حالة من عدم التصديق وأغلق مؤشر داو جونز الصناعي منخفضا أكثر من ألف نقطة 2.6 %، بينما انخفض مؤشر ناسداك 3.4 % وهبط مؤشر ستاندرد آند بورز 500 3 %. في الأيام التي تلت ذلك، كانت السوق تقفز وتهبط مع كل معلومة جديدة، ما تسبب في ضيق وتضجر المستثمرين، وفقا لـ "بزنس إنسايدر". مثلما هي الحال مع أي نوبة ذعر، فإن أسباب بدايتها المفاجئة لا تعد ولا تحصى. فبعد أن رفع بنك اليابان أسعار الفائدة، ارتفعت قيمة الين الياباني فجأة، ما أدى إلى إرباك تداولات المناقلة، وهي إستراتيجية شعبية في وول ستريت كانت تؤتي ثمارها لسنوات لكنها تتطلب أسواقا هادئة. أضف إلى ذلك المخاوف بشأن شركات التكنولوجيا الكبرى، العمود الفقري لسوق 2024 الصاخبة. بعد اختتام موسم الأرباح التي كانت قليلة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، انتقلت مخاوف هدر الشركات تريليون دولار على هذه التكنولوجيا غير المثبتة من همس إلى نقاش مفتوح. كان السبب الرئيس وراء هدوء السوق هذا العام هو القناعة القوية بأن معركة أمريكا مع التضخم ستنتهي بهبوط ناعم، وهو السيناريو المثالي حيث تعود الأسعار إلى السيطرة دون زيادة في فقدان الوظائف. لكن الارتفاع الأخير في البطالة أجبر وول ستريت على تقبل أن السيناريو الاقتصادي المثالي الذي وضعته معرض للخطر وأن الاحتياطي الفيدرالي، الذي ركز على السيطرة على التضخم، قد يكون متأخرا في خفض الفائدة لدعم سوق العمل. وكان ذلك كافيا لدفع السوق إلى نوبة غضب قوية. يظل الهبوط الناعم هو القضية الأساسية لوول ستريت. من المرجح أن يتدخل رئيس الاحتياطي الفيدرالي لتعزيز الاقتصاد في سبتمبر. ومن المحتمل أن يقوض الضعف الأخير في سوق العمل التقدم نحو مستوى أكثر استدامة. لكن حتى القليل من الشك يمكن أن يكون ضارا للتمويل، وهو عالم تحكمه الاحتمالات. بعد غياب طويل إلى حد ما، عادت المخاوف من أن الاقتصاد الأمريكي قد ينزلق إلى ركود، ما تسبب في ذعر المستثمرين. كل هذه الضجة والارتباك يشكلان تحذيرا من اقتراب عصر جديد. فالاقتصاد التضخمي الذي ساد بعد الجائحة يتلاشى، وسيحل محله شيء جديد قريبا. ولا نعلم ما إذا كان هذا النظام سيكافئ أسهم النمو أو القيمة، وما إذا كان سيرسل تدفقات الأموال إلى اليابان أو المكسيك. ولا نعلم بنية هذا الاقتصاد الجديد ــ فقط، سيكون أبطأ مما نشهده الآن وربما أكثر "طبيعية" من أي شيء شهدناه منذ الأزمة المالية في 2008. تتلخص الخطة في العودة إلى معدل تضخم 2 % ومعدل فائدة أساسي 2 %. والسؤال الذي يجعل الأسواق تهتز، بين البيانات الجديدة وإعلانات البنوك المركزية حتى نصل إلى وجهتنا، هو كيف نصل إليها بالضبط ــ من خلال هبوط ناعم أو بعد ركود.
مشاركة :