ثمة شيء واحد صحيح بخصوص استطلاعات الرأي المتعلقة بالانتخابات الرئاسية منذ عدة أشهر، بغض النظر عمن كان متقدماً أو متأخراً في السباق، ألا وهو حقيقة أن دونالد ترامب كان المرشح المفضل في مسألة الاقتصاد، وأن الاقتصاد كان يحتل المرتبة الأولى في اهتمامات الناخبين. وبغض النظر عن العقبات الأخرى التي واجهها ترامب وحملته الانتخابية، فإن عدداً متزايداً من الناخبين كانوا يميلون إلى الوثوق به بخصوص الاقتصاد أكثر من بطاقة بايدن-هاريس. غير أن مواقف الناخبين قد تكون تغيّرت، وفقاً لاستطلاع رأي واحد على الأقل. ففي استطلاع جديد أجري لصالح صحيفة «فاينانشيال تايمز»، تفوقت نائبة الرئيس كامالا هاريس على ترامب بفارق نقطة واحدة بخصوص مسألة من يحظى بثقة الناخبين أكثر في التعامل مع الاقتصاد. والواقع أن انقسام الناخبين حول أي شيء بشكل متساوٍ ليس مفاجئا. إذ من المرجح جداً أن يكون السباق إلى البيت الأبيض، في هذه المرحلة، متقارباً جداً، وانقسام الناخبين إلى معسكر كل منهما هو ما يتوقع المرء رؤيته. غير أن تفوق هاريس الطفيف بخصوص الاقتصاد في استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» موجود في سياق الأرقام التي سبقته. ولا شك أن رؤية التحول من فوز ترامب في القضية الأولى إلى تكافؤ بين الغريمين سيكون نتيجة مذهلة إذا ما تكرر في استطلاعات أخرى. والأكيد أن هذا لا يعزى بالضرورة إلى أن الناخبين بدأوا يشعرون بأنهم أفضل حالاً بكثير من الناحية الاقتصادية. إذ يُظهر استطلاع «فاينانشيال تايمز» أن غالبية الأميركيين يقولون إنه في ما يتعلق بوضعهم المالي، فإنهم «يحاولون البقاء والصمود» عوضاً عن «العيش في ازدهار ورخاء». كما يقول قرابة ثلاثة أرباع المشاركين في الاستطلاع إن لديهم رأياً سلبياً بخصوص الحالة العامة للاقتصاد، ويقول نصفهم إنهم أسوأ حالاً مما كانوا عليه قبل تولي الرئيس بايدن منصبه. وبالمقابل، يشير استطلاع الرأي إلى أن ترامب والجمهوريين لم ينجحوا بعد على ما يبدو في ربط هاريس بسياسات بايدن الاقتصادية. غير أنهم إذا استطاعوا القيام بذلك، فإن ذلك سيشكّل تحدياً كبيراً لهاريس، إذ يرى أكثر من 6 من أصل كل 10 ناخبين في الاستطلاع نفسه أنه إذا تم انتخاب هاريس، فعليها «إجراء تغييرات كبيرة» أو«اتباع مقاربة مختلفة تماماً» عن مقاربة بايدن. وفي مقابلة بثّت يوم الأحد، وصف جاي. دي. فانس، رفيق دونالد ترامب في السباق الرئاسي، هاريس بأنها «متقلبة». وكانت هاريس أيّدت في حملتها الانتخابية يوم السبت الرأي القائل بأنه يجب ألا تكون هناك ضريبة فيدرالية على الإكراميات، وهو أمر سبق لترامب أن اقترحه. وهو ما ذكّرني بانتخابات 2012، حينما قال أحد كبار مساعدي حملة ميت رومني الانتخابية إنه بعد الانتخابات التمهيدية، سيكون بمقدور رومني إعادة ضبط مواقفه السياسية، «على غرار آلة رسم تخطيطي». وقتئذ، أثار هذا التعليق انتقادات حادة. غير أنه في هذه الانتخابات، أو على الأقل في الوقت الراهن، استطاعت هاريس تحريك بعض المياه الراكدة والتخفيف من بعض الضيق الناجم عن حالة الاقتصاد، والذي كان يلاحق حملة بايدن. على الهامش وصف «الغريبة» قد لا يجدي نفعاً: لقد تم الترحيب بالحاكم تيم والز باعتباره عبقرياً في الرسائل السياسية لوصفه بطاقة ترامب-فانس بـ«الغريبة». غير أن بعض الباحثين والمحللين يختلفون مع هذا الرأي على ما يبدو، إذ وجدت دراستان جديدتان تقيّمان أقوى الرسائل التي يمكن أن تفيد هاريس أن عبارة «الغريبة» التي تستخدم في الهجوم على حملة ترامب ليست مفيدة قدر تقديم هاريس على نحو يركز على ميزاتها ونقاط قوتها. وكما كتب عالما السياسة ديفيد بروكمان وجوش كالا: فإن الناخبين يسمعون عن دونالد ترامب منذ قرابة 10 سنوات حتى الآن. وإذا كانوا يرغبون في التصويت له بناء على تلك التجربة التي تناهز عقداً من الزمن، فإنه من المستبعد أن تغيّر بعض الإعلانات أو تعليق جديد رأيهم فيه. وفضلاً عن ذلك، فقد وجدنا في استطلاع الرأي الذي أنجزناه أن كل محاولة لمهاجمة ترامب -- بدءاً من إلغاء القانون الذي يبيح الإجهاض إلى تهديده للديمقراطية ووصفه بـ«غريب الأطوار» -- لم تُقنع الناخبين بدعم هاريس. وفي ما يلي ما توصل إليه استطلاعنا بالضبط: إن الرسائل التي تشيد بإنجازات هاريس وتصف رؤيتها لأمريكا هي فقط التي تُكسبها أصوات الناخبين. أما الرسائل التي تهاجم ترامب، فإنها لا تفعل ذلك. معركة في الولايات: تشير أحدث استطلاعات الرأي التي أجرتها صحيفة «نيويورك تايمز» وكلية «سيينا» في 3 ولايات من الولايات المتأرجحة والحاسمة في هذه الانتخابات إلى أن السباق يميل لصالح هاريس أيضاً. وهنا أيضاً، تبدو خطوط الاتجاه واضحة، إذ أظهرت استطلاعات رأي مختلفة أُجريت بعيد انسحاب بايدن سباقاً متقارباً جداً بين المرشحين، تحوّل ببطء خلال الأسابيع اللاحقة إلى تقدم لهاريس. وفي تلك الاستطلاعات، كان ترامب يتقدم بمسألة الاقتصاد بفارق 6 نقاط على هاريس بين الناخبين المحتملين. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
مشاركة :