يعيد النظام السوري التكتيك إياه لفرض أمرٍ واقع على المسار السياسي من خلال تكثيف العمليات العسكرية على حلب وكأنه يلوّح بالإطباق على المدينة العتيدة ذات الرمزية الكبيرة للمعارضة، يحدث ذلك في وقت يدعو المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إلى الحفاظ على نبض مفاوضات السلام في سورية مستمراً بالإبقاء على تماسك الهدنة التي تحولت إلى عامل نفسي أكثر من كونه واقعاً على الأرض، فعدد من سقطوا في حلب فقط خلال أسبوع يصل إلى مئتين، وبالتالي فإن اعتبار أن هدنة هشة قائمة في سورية هو محض هراء ووهم. ما يجري في سورية يوحي بتجدد العنف واستمرار العمليات العسكرية بوتيرة أشد، وقبل أيام قالت واشنطن إنها قلقة من تقارير تفيد بقيام روسيا بنقل مزيد من العتاد العسكري إلى سورية لدعم بشار الأسد. إن مثل تلك الخطوات الروسية لا تنبئ عن رغبة موسكو الدفع باتجاه الحلول السلمية بل بإطالة أمد الحرب السورية، وبالتالي فإن المبعوث الدولي الذي يحزم حقائبه للتوجه صوب موسكو عليه الأخذ في الاعتبار أن مثل تلك المعطيات هي مؤشرات عن تجدد الرغبة في وهم الحسم العسكري الذي يتبناه النظام منذ اندلاع الأزمة قبل خمسة أعوام، ومن ناحية أخرى تشي خطوات موسكو بأن الهدنة التي كان يدافع عنها دي ميستورا لم تكن بالنسبة لموسكو والنظام سوى جولة لالتقاط الأنفاس لا أكثر، وأن أفق الحل السياسي يبدو ضبابياً أكثر من أي وقت مضى وإعادة الوفد التفاوضي للمعارضة لجنيف في ظل هذا التعاطي ضربٌ من التفاؤل. موسكو مؤمنة بأن فرض واقع على الأرض قد يدفع المعارضة لاستعجال أو الرضوخ للحلول السياسية من أجل عدم فقدان بقايا الحل السياسي، وهذا الاستناد الروسي مرده إلى معرفة بالواقع العسكري الضعيف والهزيل للمعارضة وعدم قدرتها مواجهة الدعم الروسي العسكري للنظام السوري، فالأنباء تتحدث عن "فيتو" أميركي بمنع إدخال مساعدات عسكرية عربية نوعية إلى المعارضة بينها صواريخ مضادة للطائرات. كما أن الدعم الروسي ليس الوحيد للنظام، فطهران أعلنت قبل أسابيع إرسال قوات من النخبة التابعين للجيش الإيراني إلى سورية، وقد لقي أربعة منهم حتفهم جنوب حلب حسب ما أعلنته وسائل الإعلام الإيرانية، في ذات الوقت يتواصل الفيتو الأميركي بمنع إرسال ألف مقاتل ينتمون إلى حركة "أحرار الشام" لمحاربة "داعش" من تركيا إلى شمال حلب في حين سُمح لفيلق الشام بالعبور، ومثل هذا التعاطي من شأنه إضعاف المسار السياسي الذي تقول واشنطن إنها ومن خلال ذلك "الفيتو" تريد إفساح المجال له ليعمل، في حين يتضح أنّ رجحان كفة النظام على الأرض لن تدفعه باتجاه المسار السياسي بل إلى مزيد من التعنت بمباركة الكرملين وتغافل من واشنطن التي نسيت الخطة "ب" وهي الأخرى يبدو أنها عامل نفسي للضغط على موسكو لا أكثر، كما كان الانسحاب الروسي "الجزئي" كذلك، إنها لعبة من الأوهام الحقيقة فيها رحيل الأسد.
مشاركة :