تزدحم شوارع العاصمة عمان وأرصفتها بصور ويافطات المترشحين للانتخابات النيابية القادمة، حيث التنافس على أشده بين الراغبين في العضوية في مجلس النواب القادم لحجز الأماكن الأكثر لفتا للأنظار وزيادة حجم الصور والشعارات لعل وعسى أن تتحقق أمنياتهم في الوصول إلى السلطة التشريعية. كما بدأت المقرات الانتخابية باستقبال الناخبين بحجة تقديم الدعم والمؤازرة للمترشحين، الذين يسعون بكافة الأشكال إلى إرضائهم وكسب ودهم لكي يقوموا بالتصويت لهم يوم الاقتراع. إن الملاحظة الأهم حول الدعاية الانتخابية لهذا العام أنها لم تختلف عن سابقاتها، لا من حيث الشعارات أو العبارات التي تضمنتها اليافطات التي يجري تعليقها، حتى أن معظم المترشحين لا يزالون يستخدمون في حملاتهم الانتخابية الحالية صورهم الشخصية ذاتها التي سبق لهم وأن استعملوها في تجاربهم الانتخابية السابقة، دون مراعاة عامل السن والاختلاف في الأشكال والملامح. كما ينسحب الأمر ذاته على البيانات الانتخابية للمترشحين، والتي لا تزال تتضمن العبارات والجمل الرنانة التي جرى استخدامها في الانتخابات السابقة، وكأن المترشحين يستخسرون في الناخبين جهدا إضافيا لإعداد مواد دعائية جديدة وتحضير شعارات انتخابية تعكس الواقع الحالي بهمومه وتحدياته. فالقاسم المشترك بين الطموحات التي يُعبر عنها المترشحون في دعاياتهم الانتخابية هي محاربة الفساد والمحسوبية والبطالة وإعادة مقدرات الوطن ومحاسبة الوزراء والمسؤولين السابقين، وتقديم حلول جذرية للمشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الدولة الأردنية، ظنا منهم بأن الناخب ستنطلي عليه هذه الوعود الانتخابية. إن المواطن الأردني، وإن كان في بعض الأحيان لا يولي أهمية بالشأن العام وبالعمل البرلماني، إلا أنه على درجة عالية من الوعي والثقافة العامة ومتابع لأبرز مجريات الأحداث الوطنية والإقليمية. فهو يعي تماما الظروف التي أحاطت بتشكيل بعض القوائم الانتخابية على مستوى الدوائر المحلية والدائرة العامة والولادة العسيرة لأغلبها. كما أنه يدرك أن الروابط بين المترشحين في القوائم الانتخابية ضعيفة يمكن أن تنتهي بمجرد إعلان نتائج الانتخابات النهائية. بالتالي، فهو يستحق أن يقوم المترشحون بمخاطبته بلغة العقل والمنطق من خلال طرح برامج انتخابية حقيقية تلامس الواقع المعاش وقابلة التطبيق على أرض الواقع. كما تبرز مشكلة قانونية أخرى في مجريات الدعاية الانتخابية التي يصرف عليها المترشحون مبالغ مالية طائلة تتمثل بأنها تخالف أبسط القواعد القانونية التي يقوم عليها النظام الانتخابي الحالي، والذي ستجرى بموجبه الانتخابات القادمة. فأوراق الاقتراع التي سيتم توزيعها على الناخبين يوم الاقتراع على مستوى القوائم المحلية ستتضمن أسماء الناخبين وصورهم وأشكالهم، في حين أن ورقة الاقتراع على مستوى الدائرة العامة سيظهر فيها اسم الحزب السياسي أو الائتلاف أو التحالف الذي سيخوض الانتخابات فقط مع رمز القائمة ورقمها دون صور المترشحين الحزبيين عنها. وعليه، فإن ما يقوم به بعض المترشحين ضمن القوائم الحزبية المتنافسة من الإعلان عن أسمائهم وصورهم في شعاراتهم الانتخابية دون التركيز على اسم الحزب السياسي أو التحالف الحزبي لن يحقق الفائدة المرجوة من الدعاية الانتخابية. فالناخب الذي يرغب بالتصويت لصالح مترشح معين في القائمة الحزبية لن يجد صورته موجودة على ورقة الاقتراع الخاصة بالدائرة الانتخابية العامة، بالتالي سيقع في حيرة من أمره حول هوية الشخص أو حتى الحزب السياسي الذي سيقوم باختياره والتصويت له. إن هذه الملاحظات السلبية على الحملة الانتخابية التي نشهدها هذه الأيام يجب أن تكون دافعا نحو التشدد في شروط الترشح لمجلس النواب، حيث يمكن التفكير في هذا الإطار بفرض شروط إضافية على الأشخاص الراغبين بخوض الانتخابات النيابية، أهمها وجود الرغبة الحقيقية في الخدمة العامة وعدم استغلال المنصب النيابي لتحقيق مصالح مالية خاصة. كما يمكن اشتراط توفر قدر كاف من المعرفة بالقواعد التي يقوم عليها العمل العام وذلك بهدف الحد من ظاهرة رؤوس الأموال الخاصة التي تبحث عن زيادة مساهماتها الاستثمارية من خلال استغلال عضويتها في مجلس النواب. وبذلك، يكون المشرع الأردني قد وضع آليات وقائية للحد من ظاهرة المال السياسي الأسود، الذي لا سبيل لمواجهته إلا من خلال فرز مرشحين تتوافر لديهم الرغبة الصادقة في الوصول إلى البرلمان والتنافس بشرف وأخلاق عالية، ويملكون مؤهلات على قدر عال من التميز، وخبرات واسعة في العمل العام تغنيهم عن اللجوء إلى شراء ذمم الناخبين وأصواتهم الانتخابية. * أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة laith@lawyer.com
مشاركة :