رغم كل مآلات الحروب من مآسٍ وكوارث، وما يتفرع عنها من تداعيات ومعاناة، إلا أن النساء في قطاع غزة، وبينهن فتيات اكتسبن خلال الحرب الدائرة منذ ما يزيد على 10 أشهر خبرة كبيرة في التعامل مع النزوح، وتعلمن مهارات لم يعرفنها قبل الحرب. ولأول مرة في حياتها تخوض مريم العبادلة تجربة إشعال الحطب، وإعداد الخبز بواسطة الفرن المصنوع من الطين، والطهي على النار، مبينة أنها أصبحت بارعة في التكيف مع الظروف الصعبة الناجمة عن النزوح. تقول العبادلة: «تزوجت قبل الحرب بأشهر قليلة، وكنت أسمع عن فرن الطين، واستخدام النار للطهي وغسل الأواني والملابس يدوياً من أمي، لكني لم أجرب ذلك في حياتي، إلى أن عشت مرارة النزوح بفعل الحرب، فاضطررت لفعل كل ما ذكر وغيره، وأصبح لدي خبرة في التعامل مع ظروف الحرب». وتضيف: «تعلمت من خلال تكرار تجارب النزوح في الحرب الحالية، كيف نختزل كل أمتعة البيت في خيمة، ونوفر كل ما يلزم في حقيبة واحدة، كي نبقى على قيد الجاهزية تحسباً لأي طارئ أو إخلاء موقع وفقاً لمجريات الحرب، والآن بعد مرور أكثر من 10 أشهر على الحرب أصبحت أجيد التعامل مع النقص الحاد في الحطب لإشعال النار، من خلال خطة تقليص الاستخدام إلا للضرورة، والمحافظة على الجمر والفحم لأطول فترة ممكنة، وحتى تنظيف الأواني باستخدام الرمل». تغير موازين بدورها تشير دارين عليان، وهي أيضاً حديثة الزواج، أنها وأقرانها من الفتيات كن قبل الحرب يعرفن بالجيل المرفه، حيث الغسالات الأوتوماتيكية، والخبز الجاهز من الأفران الآلية، وأدوات التنظيف الكهربائية، إلا أن الحرب قلبت الموازين، وأصبحن كما الأمهات والجدات لديهن الخبرة الكافية في التعامل مع الظروف الصعبة، التي تفرزها الحرب، وفي مقدمتها النزوح من مكان إلى آخر، والعودة للحياة البدائية. وعلى غير العادة تبدأ يوميات دارين بالاستيقاظ من النوم في وقت مبكر كي تبدأ رحلة المعاناة، فتشعل النار، وتعد الخبز والشاي، وما تيسر من طعام، ومن ثم تتفرغ لغسل الملابس والأواني وتنظيف محيط الخيمة، وتستمر على هذا الحال حتى مغيب الشمس، ولا يقطع أعمالها اليومية التي اعتادت عليها سوى طلب الجيش الإسرائيلي من النازحين الإخلاء، والتوجه إلى مكان جديد. معاناة وتضيف: «كنا مرتاحين، ولم يخطر ببالنا حتى في كوابيسنا أن نصل إلى هذا الحال.. الحرب غيرت مجرى حياتنا، والنزوح المتكرر ضاعف معاناتنا، فلا نكاد نستقر في مكان حتى ننزح إلى آخر، ومن المؤكد أننا سنروي القصص والحكايات لأطفالنا عن هذه التجربة الأصعب في حياتنا، وكل ما أتمناه أن تنتهي الحرب، ونعود إلى سابق عهدنا». وأصبحت أغلبية النساء في قطاع غزة تعاني أمراضاً مختلفة نتيجة التعب والإرهاق والتنقل المستمر، ومن بينها انزلاقات غضروفية، والتهابات جلدية، وآلام حادة في المفاصل، ومن تستطع منهن النجاة من طاحونة الحرب فإنها بلا شك ستحمل معها كل تبعات وتأثيرات الحرب، وربما لسنوات طويلة، لكن على الرغم من ذلك فقد أثبتت سيدات غزة الواعدات قدرتهن على التكيف مع ظروف الحرب، واكتساب خبرة النزوح. تابعوا أخبار العالم من البيان عبر غوغل نيوز Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :