صدور ترجمة «التخييل الذاتي والولع بأكاذيب أدبية أخرى»

  • 8/26/2024
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

«التخييل الذاتي والولع بأكاذيب أدبية أخرى»، كتاب قيّم لمؤلفه الناقد الفرنسي فنسنت كولونا الذي يعتبر من النقاد الأوائل الذين اهتموا بالكتابة عن الذات، وافتتحوا سلسلة من الدراسات عن هذا النوع في الكتابة، حيث ستظهر لاحقاً مجموعة من الأعمال النقدية عن التخييل الذاتي مع فيليب غاسباريني، وإيزابيل غريل، وكوهين دوريت، ولوران جيني، وجاك لوكارم وآخرين. ولا ريب أن الناقد الفرنسي فنسنت كولونا بنشره لهذا المصنف النقدي الذي يعد حقاً، بحسب مترجمه محمد الجرطي، مرجعاً أساسياً في إشكالية التخييل الذاتي، قد أتاح لغيره من النقاد أن يفتتحوا دروباً جديدة في دراسة الكتابة عن الذات التي خيَّمت على الآداب شرقاً وغرباً. ولعل الباعث الأساس الذي دفع محمد الجرطي إلى ترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربية يتمثل أساساً في خلو المكتبات العربية من مراجع أجنبية في التخييل الذاتي الذي تصَدّر المشهد النقدي منذ ثمانينات القرن المنصرم. لقد طُرح مصطلح «التخييل الذاتي» عند استخدامه لأول مرة من طرف الكاتب سيرج دوبروفسكي في عمله «ابن»، سنة 1977 إشكالات عدة تتعلق بطبيعة السرد وعلاقة ضمير الأنا المتكلم الواقعي بالتخييل، ذلك أن من سمات التخييل الذاتي أن يكون اسم المؤلف الحقيقي مطابقاً لاسم الشخصية – البطل، وهو ما يجعل سؤال التخييل في العمل الأدبي قائماً باعتباره حكاية من نسج الخيال تحاكي الواقع الذي يستمد منه الكاتب أحداث متنه الأدبي. يوازي العمل التخييلي للكاتب واقعه المعيش، وتتسرب إلى النص الأدبي أشياء واقعية من سيرة الكاتب وحياته، فيجتاز بذلك عتبة الخيال ليُشخّص الواقع وتتشكل اللغة كوعاء ناقل لكينونة الكاتب وماضيه من خلال التذكر والحكي الاستعادي وتأويل الذكريات وتَمَثلها، وبالتالي تبقى المطابقة بين الاسم الحقيقي للمؤلف والشخصية – السارد للأحداث في التخييل الذاتي وسيلة تعكس مرجعية الواقع المعيش. النوع الروائي يوضح الناقد فنسنت كولونا في المقدمة الاستهلالية لهذا الكتاب «التخييل الذاتي والولع بأكاذيب أدبية أخرى»، أن التخييل الذاتي ينطوي على مقومات النوع الروائي، لكنه يجنح نحو لغة الإبداع الأدبي التي تختزن في ثناياها دفق التخييل والتذكر والتأويل. وهكذا يجمع هذا الشكل الأدبي جانباً من الصدق يتمثل في المطابقة بين الاسم الحقيقي للمؤلف وقرينه السارد الذي يجسد الذات في مغامرة لغوية قائمة على التخييل، الشيء الذي يكشف عن مأزق فيما يخص تجنيس هذا الشكل في الكتابة. فالتخييل الذاتي تعبير لغوي يكشف عن تصور ذهني للذات. يرى المترجم محمد الجرطي، أن التخييل الذاتي ينهل من جنس الرواية الطابع التخييلي بكل ما يتيحه من إمكانيات في صوغ الأحداث وتجسيد الشخصيات وبناء الفضاء، كما ينهل من جنس السيرة الذاتية الحق في التعبير عن الذات ومرجعها الواقعي، إذ تتأسس الأنا المبدعة لتصبح مركز الأحداث وقطب التجربة الوجودية للكاتب. يقول المترجم: «إن فنسنت كولونا يوضح بأننا مدينون للكاتب سيرج دوبروفسكي بخلق هذا المصطلح الذي يتيح لنا تحديد النشاط الأدبي الذي يضفي طابع التخييل على الذات في عالم الأدب. لقد كان الأمر في تصور سيرج دوبروفسكي مجرد مسألة تسمية شكل غير مسبوق في السيرة الذاتية. لكن سرعان ما سيكشف التخييل الذاتي عن ثراء على نطاق أوسع، حيث يعمد إلى تحديد جنس عمل أدبي غريب تماماً عن مشروع السيرة الذاتية. وهكذا فعلى نقيض السيرة الذاتية التي تبقى حكراً على الشخصيات العظيمة، يبقى التخييل الذاتي ملاذاً للحيوات العادية». ويشير محمد الجرطي إلى إشكالية التخييل الذاتي، فقد أصبح يحظى بحضور قوي في الكتابة السردية العربية وفي النقد العربي المعاصر، حيث صدرت في مجاله ترجمات ودراسات نقدية عدة مع ثلة من الباحثين في المغرب: محمد الداهي، وسعيد جبار، وحسن لشكر، وزهور كرام، ولطيفة لبصير، وفي تونس مع جليلة الطريطر، وسلوى السعداوي. وبطبيعة الحال ثمة دراسات أخرى متفرقة في بلدان عديدة في العالم العربي.

مشاركة :