تُعرف الأمراض الوراثية النادرة بأنها تلك التي تصيب أقل من 1 من كل 2000 شخص. وتشير دراسات إلى أن أغلب المصابين بها هم من الأطفال (75 في المئة)، وأن 30 في المئة منهم لا يعيشون للاحتفال بعيد ميلادهم الخامس. وفي الحقيقة اكتُشف حتى الآن أكثر من 10000 مرض وراثي، ولا يزال العدد في تزايد مستمر مع اكتشاف جينات جديدة في ظل التقدم العلمي الحاصل في تقنيات الجينوم. وهناك تحدٍّ كبير في تشخيص الأمراض النادرة، فمن الصعب على الطبيب المعالج معرفة كل هذا العدد الكبير من الأمراض، ولذا ليس غريباً أن يستغرق تشخيص المرض ما معدله 4.8 عام للوصول إلى التشخيص الصحيح، وتوجد حالات لمرضى استمرت رحلة تشخيص أمراضهم أكثر من 25 عاماً. وإضافة إلى ذلك قد تتفاوت الأمراض الوراثية النادرة في أعراضها، ما يؤدي إلى التشخيص الخاطئ في بعض الحالات، وتأخر بدء العلاج الصحيح أو الوقاية اللازمة في حالات أخرى. وفي الآونة الأخيرة شهِد الكثير من العلاجات الجديدة والمبتكرة للأمراض الوراثية نقلة نوعية، وتطوراً كبيراً أحيا الأمل مجدداً في نفوس المرضى وعائلاتهم، ولكن أغلب هذه الأمراض تتطلب العلاج المبكر، ما يؤكد أهمية تطوير أدوات تشخيص وعلاجات وبروتوكولات مبتكرة للتشخيص المبكر للأمراض، ولا يمكن تطوير هذه الأدوات إلا بتطبيق التكنولوجيا المبتكرة الجديدة. وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة -كعادتها- سبَّاقة إلى تطبيق مشروع الجينوم الإماراتي لتشخيص الأمراض الوراثية، والوقاية منها، كما أنها أولت بحوث الذكاء الاصطناعي اهتماماً كبيراً، ولا سيما أن الذكاء الاصطناعي أصبح يُحدِث، في الوقت الحاضر، ثورة في جميع أشكال الصناعات والتعليم على مستوى العالم، فضلاً عن الرعاية الصحية. وترجع هذه الإنجازات الكبيرة -أساساً- إلى تطوير نموذج اللغة الكبير (Large Language Model)، الذي يوفر فرصة لإعادة التفكير في الذكاء الاصطناعي الطبي والاستفادة منه، والتوصل إلى حلول مبتكرة وجديدة لمواجهة تحديات الأمراض النادرة باستخدام نماذج لغوية كبيرة طبية حيوية متعددة الأغراض. ولا شك أن هذه الآليات المبتكرة للتشخيص المبكر للأمراض النادرة تسهم في تحسين رعاية المرضى، وعلاجهم في الوقت المناسب، وتزودهم هم وعائلاتهم بإجابات عن الأسئلة الكثيرة التي يطرحونها، وبالتالي تنهي رحلة التشخيص الطويلة والمتعبة، كما أنها توفر معلومات عن الإجراءات الوقائية في هذا الشأن، وهو ما يعمل عليه فريق البحث العلمي في جامعة الإمارات العربية المتحدة وجامعة خليفة، إذ اجتمع أطباء الأمراض النادرة مع علماء الذكاء الاصطناعي لتطوير آلية مبتكرة لتشخيص هذه الأمراض، ويهدف هذا التعاون إلى تسريع عملية التشخيص، وتحسين دقة النتائج، وتقديم حلول علاجية مبتكرة تعتمد على التحليل المتعمق للبيانات، بما يسهم في تقديم رعاية صحية متقدمة وشاملة للمرضى في مستشفيات الدولة. *أستاذة ورئيسة لقسم الوراثة وعلم الجينوم في كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة الإمارات.
مشاركة :