بين الصداقة والكتابة علاقة قوية الرباط - يمثّل كتاب “عن الكتابة والصداقة: شخصيات وذكريات” للناقد والكاتب المغربي سعيد يقطين رسالة اعتزاز وتقدير لأصحاب القلم ممن رافقهم المؤلف أو عرفهم أو قرأ لهم أو تشاكلَ مع نصوصهم بطريقة أو بأخرى، ويتضح ذلك منذ الإهداء الذي جاء فيه: “إلى الذين أحببتُهم ولم يكن عندي الوقتُ الكافي للإفصاح أو الإعلان عن ذاك الحب.. فالحبّ تشريفٌ للصداقة، وتقديرٌ للكتابة”. ويؤكد الكتاب، الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون”، على مقولة أنّ الصديق “أخ لم تلده لك أمك”، وقد يجمعك مع الصديق هَمّ مشترك، أو هدف نبيل، أو علاقة إنسانية مبنية على المودة المشتركة من دون أن تكون وراءها منفعة معينة، أو قصد مُعين يريد أحد الطرفين نيله من الآخر. ويشير يقطين إلى أن بين الصداقة والكتابة علاقة قوية، ولاسيما إذا كان الكاتبان الصديقان يحترم كلٌّ منهما الآخر، وإن تعددت التوجهات وتفرقت الآراء واختلفت التصورات، موضحا “قد نعقد علاقة صداقة مع كتاب لا يعيشون بيننا، إما بسبب الفارق الزمني، كأن يكونوا من أزمنة موغلة في القدم، أو من أمكنة بعيدة عنا، أو يتكلمون بغير لغتنا ويدينون بخلاف معتقدنا أو ثقافتنا”. م ويتناول الكتاب زهاء أربعين شخصية ثقافية، عربية وغربية، تعالقَ معها المؤلف فكرا وإبداعا، منها إدوارد سعيد الذي قارب يقطين فكره ومصنفاته من زاويتين تتضافران معا لتقديم دوره على مستويي العطاء الفكري والإنساني من جهة، وما يمكن أن يستفيده المثقف العربي من خلال تجربته ومساهمته في ذاك الفكر من جهة ثانية، إذ صار الحضور الذي أثبته إدوارد سعيد على مستوى الفكر العالمي المعاصر مصدر استشهاد ومرجعا أساسيا للدراسات الأدبية والفكرية العربية. ويكتب يقطين عن عبدالرحمن الأبنودي، الذي يصفه بـ”العبقرية الشعبية”، ويسرد قصة تعرفه عليه حين كان طالبا في السبعينات، إذ اقتنى ديوانه “أحمد إسماعين”، فأُعجب بعوالمه وعمقها الشعبي وشفافية لغته الشعرية، وأضافه إلى لائحة شعراء مصر بالعامية الذين فرضوا وجودهم على القارئ العربي، مثل أحمد فؤاد نجم وصلاح جاهين وبيرم التونسي. ويلقي يقطين الضوء كذلك على تجربة الكاتب العالمي تودوروف الذي اتصل به من خلال كتاباته فقط، لكن حين يتصل المرء بكتّابٍ مدة طويلة من الزمان “يصبح وكأنه يعاشرهم معاشرة حقيقية، فيتعرف على نفسياتهم، وأفكارهم، ودورهم في الحياة”، وقد ترك تودوروف أكثر من عشرين كتابا، وتُرجمت الكثير من كتاباته إلى العربية، سواء في المرحلة البنيوية أو بعدها، وكانت لها أدوار كبيرة في تطوير الدرس الأدبي العربي. أما جمال الغيطاني، فيقول يقطين إنه ينتمي إلى الجيل السردي الجديد الذي ظهر في مصر أواخر الستينات وبدايات السبعينات، ليعيد سؤال النهضة، وحين بدأ السرد يتسلل إلى الساحة الثقافية محاولا الاتصال بالواقعي والحقيقي بهدف الكشف عن الواقع وملابساته، تجدد السؤال عن الذات والآخر، ولكن بكيفية جديدة. ويؤكد المؤلف أن الغيطاني “لا يختلف، وهو يتفاعل مع التراث أو التاريخ، عن إدوار الخراط أو صنع الله إبراهيم… إلا في الاشتغال بالمادة الحكائية التي استمدها من علاقته بالتاريخ، وإلا فإنهم جميعا ساهموا في تجديد الرواية العربية، وتجريب قواعد وتقنيات جديدة للكتابة الروائية”. كذلك يتناول سعيد يقطين تجربة عبدالله الغذامي ومشروعه النقدي الفكري، وفاطمة المرنيسي التي وصفها بـ”شهـرزاد المغربيّة”، ومحمد برادة الرائد على الساحة الأدبية العربية، والناقد الفرنسي إدغار موران، والكاتب والمفكر عبدالله العروي، وسواهم من أعلام أثروا المشهد الثقافي والإبداعي والفكري بإصداراتهم ورؤاهم الناضجة.
مشاركة :