أقر مجلس الوزراء في جلسته التي ترأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله يوم الإثنين الماضي الاستراتيجية الشاملة الجديدة، والتي جاءت تحت عنوان «رؤية المملكة 2030» و قد أعلن سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز في مؤتمر صحفي ومقابلة تلفزيونية عن خطوطها ومحاورها الرئيسية، وأبرز ما جاء فيها التأكيد على العمق العربي والقومي للملكة، و ما تمتلكه من قدرات استثمارية وثروات معدنية متنوعة وضخمة، إلى جانب الموقع الجغرافي المتميز بصفتها مركز ربط للقارات الثلاث، ووجود الممرات المائية الحيوية فيها، وقبل كل شيء وجود الموارد البشرية والطاقات الشبابية (70% من سكان المملكة دون سن الثلاثين) المؤهلة. مما تضمنته توجهات الرؤية، إنشاء صندوق سيادي بأصول تقدر قيمتها ما بين 2 و2.5 تريليون دولار وليصبح بذلك أضخم صندق استثمار سيادي في العالم؛ حيث يتوقع أن يسيطر على أكثر من 10% من القدرات الاستثمارية العالمية، ويمتلك أكثر من 3% من الأصول العالمية، وأشار ولي ولي العهد إلى أن المملكة تخطط لتنويع القاعدة الاقتصادية وتعدد مصادر الطاقة وتجاوز ظاهرة الاقتصاد الريعي الأحادي، القائم على انتاج وتصدير النفط، وتهدف الرؤية إلى زيادة الإيرادات غير النفطية ستة أضعاف من نحو 43،5 مليار دولار إلى 267 مليار دولار، وإلى زيادة حصة الصادرات غير النفطية من 16% حاليا إلى 50% من الناتج المحلي، وفي ما يتعلق بمصادر الطاق سيجري إنشاء مجمع ضخم للطاقة الشمسية في شمال البلاد. على صعيد شركة أرامكو - السعودية التي تعد أكبر شركة انتاج للبترول في العالم سوف يتم طرح أقل من 5% منها للاكتتاب العام في البورصة، وستخصص عائدات الطرح لتمويل الصندوق السيادي الجديد. كما تضمنت الرؤية إصدار نظام البطاقة الخضراء بالنسبة للمقيمين خلال 5 سنوات، وذلك بهدف تشجيع الاستثمار والحد من تدفق الأموال إلى الخارج. على صعيد التوظيف والعمالة الوطنية تستهدف الرؤية زيادة مشاركة النساء في سوق العمل من 22% إلى 30%، وخفض نسبة البطالة بين السعوديين من 11.6% إلى 7%. وتضمنت الرؤية تطوير الموارد البشرية وقطاعات التعليم والصحة والثقافة، وكذلك إنشاء أكبر متحف إسلامي في الرياض. كما أعلن ولي ولي العهد بأن الدولة ستقوم بإنشاء مصانع للأسلحة من شأنها تلبية 50% من احتياجاتها، كما جرى التأكيد على مواصلة العمل في مكافحة الفساد، و تخفيف الإجراءات البيروقراطية الطويلة، وتوسيع دائرة الخدمات الإلكترونية، واعتماد الشفافية والمحاسبية الفورية، من خلال مركز يقيس أداء الجهات الحكومية ويساعد في مساءلتها عن أي تقصير. كما تعهد سمو ولي ولي العهد «بأن نكون شفافين وصريحين عند الإخفاق والنجاح، وسنتقبل كل الآراء ونستمع إلى جميع الأفكار». من الواضح بأن ما جاء في الرؤية والشفافية التي تحدث بها سمو ولي ولي العهد يمثل طموحا كبيرا للدولة نحو التغيير وخصوصا على الصعيد الاقتصادي ؛ حيث جرى الإقرار ضمنيا بل و بشكل و اضح بأن تسعة خطط تنموية (1970- 2015) لم تحقق هدفها المركزي في تنويع القاعدة الاقتصادية الإنتاجية ومصادر الدخل الذي لا يزال معتمدا بشكل رئيس على انتاج وتصدير النفط الذي هو ثروة ناضبة مهما طال عمره الافتراضي، كما أن أسعاره عرضة لتذبذبات العرض الطلب، كما هو أسير لحال الاقتصاد العالمي الذي يلفه الغموض والقلق ان لم يكن التشاؤم. ثانيا : التوجه نحو ترشيد الإنفاق الحكومي والتركيز على مشاريع البنية التحتية، والاستثمارات الإنتاجية، وتخفيف البيروقراطية الحكومية عبر ترشيد أجهزة ومؤسسات الدولة الإدارية والتنفيذية والاقتصادية ووضع ضوابط وأنظمة تتيح مزيدا من الشفافية والمراقبة و المحاسبة للمقصرين والمتهاونين، والتشديد في مكافحة الفساد المالي والإداري. ثالثا: العمل على تطوير الموارد البشرية، كالتعليم والتدريب والصحة والإسكان، وتوطين المعرفة و التكنولوجيا، إلى جانب مواجهة تحديات البطالة والفقر، و توسيع مشاركة المرأة في سوق العمل والحياة العامة. رابعا: بذل جهد أكبر من أجل تشكل وتبلور مؤسسات المجتمع المدني وتنشيط دوره ومشاركته في شتى مناشط الحياة. لاشك أن الرؤية تمثل خطوة نوعية باتجاه مواجهة التحديات الراهنة واستحقاقات المستقبل، وبالتأكيد لا يكفي صياغة الخطة والرؤية مهما كانت متكاملة من الناحية النظرية أو العملية إذا لم يجر اختبارها على أرض التجربة و الواقع، وهو ما يقع على عاتق الدولة بأجهزتها المختلفة، والمجتمع والنخب والأفراد في الآن معا.
مشاركة :