حذر محلل بارز لتأثيرات المناخ من أن التفاوت في درجات الحرارة يتسبب في آلاف الوفيات غير المبلغ عنها في البلدان والمجتمعات الفقيرة في جميع أنحاء العالم، وذلك بعد تسجيل درجات حرارة عالمية ربما لم تحدث منذ 120 ألف عام. ويقول المؤسس المشارك لمؤسسة «وورلد ويذر أتريبيوشن»، فريدريك أوتو، في نداء إلى وسائل الإعلام والسلطات لإيلاء المزيد من الاهتمام بالمخاطر، إن «الظروف الحارة تعمل كقاتل خفي يفترس المجتمع الأكثر هشاشة اقتصادياً». ويقول أوتو، وهو أيضاً محاضر كبير في علوم المناخ في معهد جرانثام التابع لإمبريال كوليدج لندن: «إن موجات الحر هي أخطر أنواع الطقس المتطرف لكنها لا تترك وراءها دماراً أو صوراً مذهلة للدمار. إنها تقتل الفقراء والوحيدين في البلدان الغنية، والفقراء الذين يعملون في الهواء الطلق في البلدان النامية». ويسترسل: «في الأشهر الـ13 الماضية شكل ارتفاع درجات الحرارة آلاف وآلاف القصص التي لن تُروى أبداً عن فقراء يموتون في الحر». مخاوف متزايدة وتأتي النصيحة وسط مخاوف متزايدة بشأن الخسائر الخفية لعدم المساواة في التعرض لدرجات الحرارة. في الشهر الماضي، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن نداء للعمل بشأن الحرارة الشديدة، مع التركيز على رعاية الفئات الضعيفة وحماية العمال المعرضين لها. وأشار غوتيريش إلى أن «الحرارة الشديدة تمزق الاقتصادات بشكل متزايد، وتزيد من اتساع فجوة التفاوت في فرص العيش، وتقوض أهداف التنمية المستدامة وتقتل الناس. وتشير التقديرات إلى أنها تقتل ما يقرب من نصف مليون شخص سنوياً، أي أكثر بنحو 30 مرة ممن يموتون جراء الأعاصير المدارية». ويجيء حديث غوتيريش بعد أن شهد العالم ثلاثة أيام هي الأكثر حرارة على الإطلاق في العالم في 21 و22 و23 يوليو هذا العام، وبالإضافة إلى تجاوز الذروة السابقة في مجموعات البيانات التي تعود إلى عام 1940. ويقول علماء المناخ إنها ربما كانت أيضاً أعلى درجة حرارة على الأرض منذ نحو 120 ألف عام، استناداً إلى الأدلة من حلقات الأشجار ونوى الجليد. ولم تأتِ هذه الأرقام دون سابق إنذار، فحتى يوليو سجلت الأرض 13 رقماً قياسياً متتالياً في درجات الحرارة الشهرية، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى حرق الإنسان للغابات، والغاز، والنفط، والفحم. قد لا يتم حساب عدد الوفيات الدقيق من هذه الظواهر المتطرفة الحارقة أبداً، ولكن من المؤكد أن الفئات ذات الدخل المنخفض ستكون الأكثر تضرراً، لأن التفاوت في الحرارة يعزز نفسه. وبينما ينتقل الأثرياء من المنازل المكيفة في السيارات المكيفة إلى المكاتب والمطاعم ومراكز التسوق المكيفة، يتم إرسال الحرارة من هذه البيئات المبردة بشكل مصطنع إلى الشارع بالخارج، حيث يتعرق العمال الأقل حظاً كعمال التوصيل أو عمال البناء أو عمال تنظيف الطرق. عدم المساواة في التعرض للحرارة ويقول مستشار سياسة عدم المساواة بمنظمة أوكسفام الدولية، أليكس مايتلاند: «إن الوفيات الناجمة عن الحر تتشكل بسبب عدم المساواة في التعرض للحرارة، فموجة الحر أكثر فتكاً بشخص يعيش في كوخ من الصفيح مقارنة بشخص يعيش في منزل مكيف الهواء». ويضيف: «على مدى العقود المقبلة من المتوقع أن ترتفع الوفيات الناجمة عن الإجهاد الحراري بشكل كبير في البلدان ذات الدخل المنخفض. والمفارقة القاسية هي أن الأشخاص الذين يموتون من الحرارة هم الأقل مسؤولية عن ارتفاع درجات الحرارة، حيث ينبعث من أغنى 1٪ أكثر ما ينبعث من ثلثي العالم مجتمعاً من حرارة، حيث كانت انبعاثات الكربون في عام 2019 وحدها كافية للتسبب في وفيات مرتبطة بالحرارة لـ 1.3 مليون شخص». في البلدان الأقل نمواً لا تملك السلطات غالباً الوسائل لجمع البيانات أو التحقيق في الوفيات الفردية، وهذا صحيح بشكل خاص في مناطق الصراع، مثل أفغانستان ومالي والسودان والصومال وجمهورية إفريقيا الوسطى. وحث أوتو على الاهتمام العالمي الكبير بهذه الأزمة التي لم يستطع العالم فهمها جيداً حتى الآن: «نحن لا نعرف عدد الأشخاص الذين يموتون بسبب الحرارة الشديدة في البلدان الفقيرة، ولكن بسبب تعرضهم للحرارة العالية فلا يوجد سبب للاعتقاد بأن النسبة ستكون أقل من تلك في البلدان الغنية، حيث نعلم أن الآلاف يموتون». ويعتقد أن «هناك حاجة كبيرة للإبلاغ عن هذه المخاطر مراراً وتكراراً». ويقول أيضاً إنه بدلاً من تصوير تقارير الحرارة مع أشخاص سعداء على الشاطئ، ينبغي أن تنظر وسائل الإعلام في المآسي المخفية التي يمكن منعها في كثير من الأحيان سواء في أجزاء بعيدة من العالم أو في المجتمعات المهمشة في بلدانها، و«للتعامل مع التغيير نحتاج إلى خلق عالم أكثر مساواة، ولكننا بحاجة أيضاً إلى معالجة عدم المساواة في الداخل». عن «الغارديان» • الحرارة الشديدة تمزق الاقتصادات، وتزيد من فجوة التفاوت في فرص العيش، وتقوض أهداف التنمية المستدامة وتقتل الناس أكثر بنحو 30 مرة من الأعاصير المدارية. • طالبو اللجوء الذين يهربون غالباً من الحر والجفاف معرضون أيضاً لخطر الحرارة أكثر بكثير، ففي يونيو توفي العشرات من المهاجرين السودانيين بسبب الحر الشديد عند معبر حدودي غير قانوني. حدود درجات الحرارة لمزاولة الأعمال تحدد بعض البلدان حدوداً مختلفة من درجات الحرارة التي يعمل خلالها العمال، اعتماداً على مدى كثافة العمل. في بلجيكا تراوح الحدود بين 29 درجة مئوية للعمل البدني الخفيف و18 درجة مئوية للعمل الشاق للغاية. وفي المجر على سبيل المقارنة تراوح العتبات من 27 درجة مئوية إلى 31 درجة مئوية. وفي الوقت نفسه تميز قبرص بين العمال «المتأقلمين» مع الحرارة وأولئك الذين ليسوا كذلك، وتُقدر حدود العمل الآمن للأخير أقل بمقدار 2.5 درجة مئوية. وتقول الدكتورة المتخصصة في السلامة والصحة المهنية في منظمة العمل الدولية، هالشكا جرازيك، إن هناك أدلة على فقدان واضح للإنتاجية لكل درجة حرارة ترتفع. وعلى الرغم من شيوع حدود درجات الحرارة في العمل بشكل متزايد، فإنه يمكن أن يتم تحديدها بطريقة مخصصة، كما قالت: «لا توجد خوارزمية، ولا توجد طريقة للقول إن درجة الحرارة الأساسية في بلدك هي X وبالتالي فإن سكانك متأقلمون مع هذه الدرجة تقريباً». ولم يكن هناك ما يكفي من الرصد والتقييم لمعرفة ما إذا كانت الحدود الموضوعة ساعدت في حماية صحة الإنسان وتحسين الإنتاجية. قد يكون فرض الحدود الداخلية، مثل المصانع، أكثر صعوبة، نظراً لأن أماكن العمل هذه أقل وضوحاً. في إندونيسيا، تزعم دعوى قضائية رفعتها مجموعة من الشباب من بين أمور أخرى، أن عدم كفاية الإجراءات الحكومية بشأن أزمة المناخ ينتهك حقهم في العمل وكسب لقمة العيش الكريم. في بنغلاديش أمرت المحكمة بإغلاق المدارس على مستوى البلاد في أبريل الماضي بسبب موجة حر شديدة. الحرارة الشديدة تقتل مزارعاً في إيطاليا العالم شهد ثلاثة أيام تعد الأكثر حرارة في 21 و22 و23 يوليو الماضي. أ.ب صُدمت إيطاليا بتقارير عن المعاملة «الوحشية» للمهاجرين العاملين في المزارع في جميع أنحاء البلاد ووفاة عامل قطف الزهور في درجات حرارة تبلغ نحو 40 درجة مئوية (104 فهرنهايت). وقد ذهب عشرات الآلاف من المهاجرين إلى الحقول لقطف الطماطم والمحاصيل الأخرى في جميع أنحاء إيطاليا في الوقت نفسه الذي غمرت فيه البلاد موجات حر متتالية منذ منتصف يونيو. وتقول الجمعية الإيطالية للأرصاد الجوية إن متوسط درجات الحرارة الصيفية في إيطاليا بين يونيو وأغسطس ارتفع بمقدار 1.5 درجة مئوية على مدى السنوات الثلاثين الماضية من عام 1994 إلى عام 2023. وجلبت الحرارة الشديدة خطراً جديداً ومميتاً للعمال ذوي الأجور المنخفضة الذين يعملون في الهواء الطلق لقطف الفاكهة والخضراوات. ويعتقد أن دالفير سينغ الذي كان يعمل في مزرعة زهور قد توفي بسبب مزيج من حرارة الصيف الشديدة وعبء العمل الثقيل. وقد عُثر على الرجل البالغ من العمر 54 عاماً ميتاً في 16 أغسطس في حقل بالقرب من مدينة لاتينا في وسط إيطاليا. وقال زملاؤه الذين تحدثوا إلى صحيفة «الغارديان» إنه لم يمرض أبداً وكان «رجلاً طيباً يعمل دائماً بجد»، وكان يرسل تحويلات مالية منتظمة إلى عائلته في البنجاب في شمال الهند، لكن أصدقاءه قالوا إن سينغ كان ينوي العودة إلى وطنه في غضون السنوات القليلة المقبلة لأنه وجد صعوبة متزايدة في العمل في الحقول كل يوم مع تقدمه في السن، ويحاول ابنه وصهره الآن إعادة جثمانه إلى الهند. مهاجرون قضوا بسبب الحر في يونيو توفي العشرات من المهاجرين السودانيين بسبب الحر الشديد عند معبر حدودي غير قانوني إلى مصر. وقالت جماعات الإغاثة إن الضحايا شمل عائلات بأكملها. وفي وقت لاحق من الشهر نفسه عُثر على جثث ثلاثة مهاجرين مكسيكيين في صحراء سونوران في أريزونا بالقرب من الحدود الأميركية، حيث ضربت موجة حر شديدة المنطقة. وقال قطاع دورية الحدود في إل باسو، الذي يشمل أجزاء من تكساس ونيو مكسيكو، إن وفيات المهاجرين تضاعفت بأكثر من الضعف من عام 2022 إلى عام 2023 نتيجة لارتفاع درجات الحرارة. وفي العام الماضي عُثر على جثث متفحمة لـ18 طالب لجوء سورياً بعد حريق غابات في منطقة داديا في شمال شرق اليونان. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :