تونس - قبلت المحكمة الإدارية في تونس الخميس طلب الاستئناف الذي تقدم به الوزير السابق المنذر الزنايدي بعدما استبعدته هيئة الانتخابات لتقضي تبعا لذلك بعودته إلى سباق الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر القادم، في خطوة من شأنها إحداث التوازن في المشهد الانتخابي لتصبح هناك ثلاثة أزمان في السباق: عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وعهد حركة النهضة، وثالث يشكله مسار 25 يوليو 2021. ويحيل الزنايدي إلى زمن ما قبل ثورة 2011، أي عهد بن علي، وانتمى إلى الحزب الحاكم آنذاك، التجمع الدستوري الديمقراطي. لكن صفته السياسية لم تكن ذات أهمية أمام صفته كرجل دولة تكنوقراطي؛ حيث عمل في وزارات خدمية متعددة، ما أكسبه قاعدة شعبية، وهو ما قد يرشحه لأن يكون منافسا جديا لقيس سعيد منذ الدور الأول. واعتبر الناشط السياسي حاتم المليكي أن رجوع الزنايدي إلى السباق "كان إداريا وليس سياسيا" ولا يمكن المبالغة في تأويله، لكنه أشار إلى أن "كل المنظومات لم يعد لديها ما تقدم، ولا ننتظر شيئا منها، والشعب التونسي يريد أن يدخل مرحلة جديدة". وأوضح المليكي في تصريح لـ”العرب” أن “الاختيار سيكون على أساس أيديولوجي بالأساس، لكن من المؤكد أن هناك قطيعة مع المنظومات السابقة”. حاتم المليكي: كل المنظومات ليس لديها ما تقدمه للتونسيين حاتم المليكي: كل المنظومات ليس لديها ما تقدمه للتونسيين وبالتوازي مع عودة الزنايدي نجد عبداللطيف المكي، وزير الصحة في عهد حركة النهضة، الذي أعادته المحكمة الإدارية إلى السباق. ورغم أنه استقال من النهضة ووجه انتقادات لاذعة لرئيسها راشد الغنوشي، إلا أن المكي ينتظر الحصول على دعم قوي من جمهور النهضة والمجموعات السياسية القريبة منها. لكن من الصعب أن يبلغ الدور الثاني؛ ليس فقط لوجود قيس سعيد والزنايدي، وإنما أيضا لأن النهضة فقدت شعبيتها بعد اتهامها بالسعي لاختراق الدولة وتوظيف السلطة في خدمة أجندات خاصة بدل خدمة الناس. ومن زمن حكم النهضة نجد أيضا العياشي زمال، وهو محسوب على نداء تونس و"تحيا تونس" الذي ترأسه رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد. ومن الصعب على زمال أن يمر إلى الدور الثاني بعد أن أعاد القضاء المكي والزنايدي إلى السباق، وكان زمال يراهن على دعم جمهور النهضة والتجمع وعبير موسي وقوى مدنية غاضبة على قيس سعيد. ويضاف إلى المكي وزمال زهير المغزاوي، أمين عام حركة الشعب، الذي انحاز إلى قيس سعيد قبل 25 يوليو 2021 وبعده، على أمل أن يحوز ثقة قيس سعيد وتستفيد حركته من هذا التقارب بأن تكون شريكا في السلطة، لكن هذا لم يحصل، وهو ما دفع المغزاوي إلى الإدلاء بتصريحات شديدة اللهجة في مؤتمره الصحفي الأربعاء ضد قيس سعيد وضد مرحلة حكمه. وقال المغزاوي "حصيلة إنجازات قيس سعيد صفر، والقضاء اليوم مركّع وموظف، ولن نقبل بدستور يحتوي وظائف ولا يتضمن سلطا مستقلة؛ دستور يعطي كل الصلاحيات لرئيس الجمهورية". وتبدو حظوظ مرشح حركة الشعب محدودة في المرور إلى الدور الثاني إلا إذا أعادت هيئة الانتخابات استبعاد المكي والزنايدي اعتمادا على أحكام قضائية أخرى غير التي صدرت عن المحكمة الإدارية. وفي مقابل منظومتي التجمع والنهضة، وما ارتبط بالمرحلتين من انتقادات واسعة، يجد قيس سعيد نفسه مرشحا فوق العادة للمرور إلى الدور الثاني في ظل حيازته شعبية مهمة بسبب الحرب على الفساد واللوبيات التي تعرقل مسار الإصلاح، لكن من المرجّح أن يشهد الدور الثاني منافسة قوية بينه وبين المنافس الثاني الذي يتوقع البعض أن يكون الزنايدي، خاصة في حال قررت حركة النهضة دعمه وانحازت إليه مجموعات سياسية مختلفة بمن في ذلك من كانوا في صف قيس سعيد وأصيبوا بخيبة أمل نتيجة عدم إشراكهم في السلطة. وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي، في تصريح لـ”العرب”، “سياسيا اليوم يمكن الحديث عن ثلاث عائلات، وهي منظومة ما قبل 2011 التي كان يمثلها التجمع الدستوري الديمقراطي، ومنظومة ما بعد 2011 إلى 2019 التي مثلها الإسلام السياسي، ثم عهد الرئيس قيس سعيد ومسار 25 يوليو”. وتابع الرابحي “سنرى اليوم مدى شعبية كل منظومة، ومنظومة النهضة تمت فيها انشقاقات، حيث كون المكي حزبا لوحده”، مضيفا “أعتقد أن قيس سعيد مازال يمثل العمق الجماهيري والشعبي الذي يخول له الفوز من الدور الأول”. ورفضت هيئة الانتخابات طلب ترشح الزنايدي بالإضافة إلى 12 آخرين بسبب عدم استيفاء شروط جمع تواقيع التزكيات. نبيل الرابحي: قيس سعيد ما زال يمثل العمق الجماهيري الذي يخول له الفوز نبيل الرابحي: قيس سعيد ما زال يمثل العمق الجماهيري الذي يخول له الفوز وقال المتحدث باسم المحكمة الإدارية فيصل بوقرة “قضت المحكمة الإدارية المتعهدة في إطار الطور الثاني للتقاضي بخصوص نزاعات الترشح للانتخابات الرئاسية الخميس بقبول الطعن شكلا وأصلا الذي تقدم به المنذر الزنايدي وبالتالي إلغاء قرار هيئة الانتخابات”. في المقابل أيدت المحكمة قرار الهيئة استبعاد رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي، وفقا لبوقرة. وكانت المحكمة قد وافقت الثلاثاء على طلب الاستئناف الذي تقدم به القيادي السابق في حزب النهضة الإسلامي عبداللطيف المكي ضد رفض ترشحه للانتخابات الرئاسية. وتعليقا على قرارات المحكمة الإدارية أكد رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أن "مجلس الهيئة سينعقد للاطلاع على هذه الأحكام وحيثياتها وتعليلاتها وسنتخذ القرار حول القائمة النهائية آخذا في الاعتبار أحكاما جزائية صادرة في خصوص تدليس تزكيات". وقبلت هيئة الانتخابات ملف كل من قيس سعيّد الطامح لولاية ثانية والأمين العام لحزب حركة الشعب (قومي عربي) زهير المغزاوي الذي دعم قرارات الرئيس سعيّد في احتكار السلطات في صيف 2021. كما وافقت على ملف رجل الأعمال والنائب السابق العياشي زمال الذي يلاحق حزبه قضائيا بتهمة “تزوير” تواقيع تزكيات. والزنايدي (73 عاما) وزير سابق خلال حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي قبل ثورة 2011. وطيلة 17 سنة شغل الزنايدي دون انقطاع مناصب 6 وزارات هامة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، منها النقل والتجارة والسياحة والصحة، ولم يغادر الحكومة إلا يوم 14 يناير 2011. ولم يكن الحفاظ على منصب الوزارة الواحدة ولمدة سنة أو حتى أشهر معدودات أمرا سهلا في نظام بن علي الذي لم يكتف بمراقبة عمل الوزراء ومحاسبتهم بنفسه بل عمل على ذلك أيضا من خلال "حكومة ظل" في قصر قرطاج، لكن شخصية الزنايدي التي تتسم بنجاعة أداء التكنوقراط ساهمت إلى حد كبير في "انتزاع" ثقة الرئيس.
مشاركة :