خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، لعلها القاعدة الأكثر ترديداً والتي يمكن إسقاطها وتطبيقها على كل المجالات، وفي عالمنا وقرننا الحالي القائم على معيار القوة الاقتصادية بعد سقوط الايديولوجيات وتراجع الكثير منها ذات الطابع القومي أو الفكري التي طغت في حقبة الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية تحديداً تبرز المنافسة بين الدول بشكل واسع، خصوصاً مع سطوة فكر العولمة وسهولة حركة رؤوس الأموال والسباق على جذب الاستثمارات، وتوطين التقنية والتجارة الدولية التي أصبحت ميدان المنافسة الحقيقي وأهم أسلحة القوة الناعمة للدول، وفي الجانب الأهم تحقيق منافع اقتصادية وتعزيز دور الدول المتقدمة فيها كلاعب رئيسي في مختلف القضايا الدولية على الصعيدين الرئيسيين السياسي والاقتصادي، والصعيد الثقافي. والمملكة تواكب هذا العصر الحديث منذ أن بدأت قبل عقود في برامج التنمية وألحقتها بالخطط الخمسية وصولاً إلى أهم مراحل نهضة وتطور الاقتصاد الوطني بعد إطلاق رؤية 2030 م التي تعد المشروع الاقتصادي التنموي الأهم في الشرق الأوسط، وأيضاً من المشاريع الاستراتيجية ذات البعد الدولي الرئيسي نظير حجم الاستثمارات الضخمة التي تضخ من خلال برامجها وارتباطها بشراكات دولية، إضافة لعمق التغيير في مفهوم التنمية للدول الذي أصبحت معه الرؤية مؤشراً إرشادياً ومقياساً للمقارنة لدى دول المنطقة عموماًً مع ما يشهده الاقتصاد السعودي من تقدم وازدهار حيث تحققت أهداف عديدة في الرؤية قبل موعدها التقديري وبات حجم الناتج المحلي فوق مستوى التريليون دولار بنمو بلغ 65 بالمائة خلال الستة أعوام الأخيرة، ومع كل هذه المكاسب والأثر التنموي الضخم الذي تحقق ومع جذب الاقتصاد للاستثمارات الاجنبية واعتبار المملكة من أهم دول الفرص الواعدة ظهرت ملامح ارتفاع المنافسة في الشرق الأوسط للرؤية؛ فهناك من تأثر بها واتجه لوضع خطط تنموية منافسة، وهذا يعتبر أمراً طبيعياً بل ومفيداً؛ لأن ارتباط الاقتصاد السعودي بالعالم واسع، وهي أكبر شريك تجاري لأغلب دول الشرق الأوسط ومن بين أكبر الشركاء التجاريين لأغلب الاقتصادات الكبرى فنمو الدول المحيطة عامل إيجابي لكي تستقر المنطقة وتزداد جاذبية الاستثمارات والنمو فيها. لكن هناك من لا يستطيع المنافسة مع مشروع الرؤية فتجده يتحرك باتجاه القيام بمحاولات بائسة اعتقاداً منه أنه يمكن أن يبطئ تقدمها عبر أفكار سطحية لا قيمة لها في الواقع سوى أنها تعبر عن حالة الضعف والفقر الفكري الذي يتملكهم، فبدلاً من استثمار إمكانياتهم والتفرغ لتطوير دولهم يحاولون أن لا يجعلوا نجاح أي دولة في المنطقة معياراً للمقارنة من قبل شعوبهم مع فشلهم التنموي والتجاري، أو وصولهم لمرحلة الغير قادر على تطوير أي فكرة تنافس أي مشروع أو قطاع في المملكة التي تستثمر كل طاقاتها وإمكانياتها لتصل إلى المنافسة مع الاقتصادات الكبري؛ فالسعودية تنظر للمنافسة مع دول مجموعة العشرين وأكبر عشرة اقتصادات فيها. لكن الترويج لمشروعنا الاقتصادي العملاق وحمايته يتطلب أيضاً دوراً بارزاً من القوى الناعمة الثقافية على وجه التحديد، فلعل فيلم حياة الماعز المليء بالاسقاطات الكاذبة وتعميم حالة فردية تحدث في أي دولة على المجتمع كاملاً مع التحريف بالقصة الحقيقية يفتح الباب على تساؤل مهم حول ما قدمته هيئات السينما والأدب والترجمة والفنون البصرية في السنوات الماضية منذ تأسيسها بما يخص دعم تقديم أعمال متقدمة بأفكارها وبشكل كثيف، ويتناول تطور اقتصادنا ومجتمعنا من كافة الجوانب وينشر قصتنا وإرثنا الثقافي وتاريخنا بما يعد هجوما يستبق الدفاع لأن من يسعون لمثل هذه الأعمال الدنيئة موجودون، وليس بأمر مستغرب عنهم، وقد هوجمت دول عديدة تعد الآن من أكبر اقتصادات العالم لكنها قدمت نفسها ثقافيا للعالم بأشكال وأساليب متعددة وعلى مدى سنوات طويلة، وهي تروج لثقافتها وهو ما كان أبلغ رد استباقي على كل من حاول التقليل أو تشويه صورة مشروعهم التنموي، ومن امثلة النجاح لدينا المشروعان الرياضي والترفيهي اللذان أصبحا حديث العالم، والأضواء مسلطة على كل ما يقدم بهما لكن ما نأمله أن ينتقل عمل هذه الهيئات الثقافية لمرحلة مختلفة تتماشى مع معايير دورها في دعم تنافسنا العالمي وجذب الاستثمارات عبر تأصيل ثقافتنا في الساحة الدولية، وما يتمتع به محتمعنا من قيم ومبادئ نبيلة تحميها أنظمة تحفظ الحقوق وتوفر الامن والحياة الكريمة لكل سكان المملكة وزوارها. ما قامت به الهيئات الثقافية الثلاث خلال الأعوام الماضية عمل له أهميته ودوره الإيجابي، لكن المرحلة الحالية وكذلك القادمة تتطلب جهداً مضاعفاً ومختلفاً فالمنافسون السلبيون يستخدمون أساليب دنيئة، وبكافة الوسائل سواء الإعلام الجديد، او من خلال الأعمال الفنية، وهو ما يتطلب تكثيف الإنتاج الفني والنوعي والمبتكر بأفكاره والقائم على أعمال أدبية من تأليف أدباء سعوديين، ومكتبتنا زاخرة بأعمالهم المميزة، إضافة لأهمية الثقافة في ارتفاع حجم دور الاقتصاد الإبداعي في الناتج الإجمالي.
مشاركة :