كثيرةُ الآن الكتابات والأحاديث عن الحرب العالمية الثالثة. وإلى جانب مُحللين، وسياسيين من الصف الثانى والثالث هنا وهناك، يتحدث عنها مسئولون سياسيون وعسكريون فى دول عدة بعضها كبرى، ومرشحون لأن يكونوا كذلك أحدهم قد يصبح رئيس الدولة الأكبر فى العالم. كان لمسئولين روس كبار، مثل نائب رئيس مجلس الأمن القومى ديمترى ميدفيديف، السبق فى التحذير من أن يؤدى سلوك الدول الغربية تجاه حرب أوكرانيا إلى نشوب حرب عالمية ثالثة. واتهم الرئيس السابق المرشح الحالى ترامب إدارة جو بايدن بأنها تسببت فى نشوب حربى أوكرانيا وغزة، وأن فوز هاريس سيؤدى إلى نشوب حرب عالمية. ولكنه انتقل، فيما يبدو، من مجال الدعاية الانتخابية إلى ميدان التوقع عندما تصاعدت المواجهة بين المقاومة اللبنانية والصهاينة لمدة ساعتين فجر 25 أغسطس، إذ قال إن العالم يتجه إلى حرب ثالثة. لم يحدث مثل هذا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية التى اعتُبرت فى ذلك الوقت خاتمة الحروب الكونية، سواء بسبب أهوالها الرهيبة أو بفعل التدافع لوضع قواعد لإدارة العلاقات الدولية وعقد عشرات المعاهدات والاتفاقات لتنظيم هذه العلاقات على أسس سلمية بناء على معايير قانونية. الحرب العالمية الثالثة، إذن، هى نبوءة عام 2024 بامتياز. والنبوءة السياسية والاقتصادية والاجتماعية نوعان. توجد نبوءة مُحقِقة لذاتها أو ذاتية التحقق، وهى التى قد يؤدى شيوعها إلى تحققها برغم عدم اكتمال عناصرها، بل دون وجود أساس لها أحيانًا، نتيجة ردود أفعال متسارعة تؤدى إلى تحققها. ومن الأمثلة الشائعة لها انتشار توقعات عن حدوث انهيار مالى أو مصرفى فى لحظة عدم يقين، فيؤدى سلوك المستثمرين فى بورصات والمودعين فى بنوك إلى هذا الانهيار برغم أنه كان ممكنًا تجنبه. والنوع الثانى النبوءة المُحبِطة أو المُجهِضة لذاتها. وهى التى قد تؤدى إلى إجراءات يسعى القائمون بها إلى تجنب تحقق توقع شائع، خاصةً إذا كان فى الوقت متسع، وفيما هو متوقع خطر مهول. فإلى أى من النوعين تنتمى نبوءة الحرب الثالثة؟ سؤال يختلف جوابه، مثله فى ذلك مثل سؤال الحرب الإقليمية التى نبقى معها غدًا.
مشاركة :