يحدث عند انتقالك من منطقة لبنانية إلى أخرى أو على الطريق بين قرية وثانية، أن تدرك وحدك ومن دون الاستعانة باللافتات أنك انتقلت بين أجواء مختلفة. فتنظيم الطرقات وتوافر اللافتات الدالة ومستوى النظافة والمرافق العامة تختلف في جودتها ومدى الاهتمام بها بين مكان وآخر: «هي البلدية» يقول أحد شباب مدينة جبيل التي اشتهرت بحيويتها والنشاطات التي تشهدها خلال السنوات الأخيرة بفضل نشاط وجهود بلديتها وتعاون أبنائها. أما في ضاحية بيروت الجنوبية فيقول علي الذي يبلغ من العمر (29 سنة) أن عمل البلديات في هذه المنطقة «مقبول نسبياً، بل جيد وإن كان يحتاج إلى مزيد من التطوير على صعد عدة». ويشكو الموظف في أحد مكاتب الصرافة احتكار العمل البلدي من قبل جهات سياسية تتمتع بالشعبية في المنطقة من دون أن يتاح للعنصر الشبابي المشاركة الفاعلة في هذا الشأن الحيوي. وينطلق النقاش حول أمور مختلفة لكن متكررة قبيل كل انتخابات بلدية يشهدها لبنان المقبل على جولة جديدة من هذا الاستحقاق في شهر أيار (مايو) الجاري، ليتجدد الحديث عن تدخل السياسة والأحزاب والدور الكبير للعائلات التقليدية في هذه الانتخابات المحلية، وأيضاً ضرورة السماح للمواطنين بممارسة حقهم الديموقراطي في أماكن سكنهم لا في مناطقهم الأصلية. ويسكن في بيروت ومحيطها مثلاً قرابة نصف اللبنانيين إضافة الى من ولدوا وعاشوا حياتهم فيها، لكن بقاء سجلات نفوسهم مرتبطة بقراهم ومدنهم الأصلية يحرمهم من التصويت في بيروت الأمر الذي يؤدي إلى ضعف الإقبال على المشاركة عموماً. وفي بلد يبلغ فيه التسييس أعلى درجاته، لا يرى كثيرون مشكلة في ان تدخل الأحزاب في صلب العمل الانمائي البلدي. ويقول بيار ابن مدينة عمشيت «لا ارى مانعاً من تأثير الأحزاب السياسية ومشاركتها في الانتخابات البلدية، فمن حيث المبدأ يتوقع من جميع المرشحين بمختلف ميولهم السياسية أن يعملوا لخير مناطقهم خدمياً، ولذا فالانتماء السياسي للمرشحين يساعد على تحديد من سأختار لكي أصوت له». أما أحمد زميله في الجامعة فيشدد على «ضرورة تحديد المصطلحات» عند تناول هذا الموضوع وتعريف ما نقصده بكلمتي سياسة وسياسي في هذا السياق. فبرأيه لا يمكن فصل العمل البلدي عن السياسة بمعناها الواسع والعام لأنها عملية انتخاب محلي ضمن سياق أوسع. لكن أحمد يفضل «كشاب معني بشؤون منطقته وبلده، أن تنفصل هذه الأمور عن السياسة بمعناها اللبناني الضيق لأنه سلبي وغير مفيد». واللافت أن لا مشاركة ملموسة في العادة للشباب اللبناني في هذا الاستحقاق الانتخابي الذي يمس حياتهم اليومية على نحو مباشر. فهذه المشاركة لا تعكس فعلياً حجم الشريحة الشبابية ودورها وتطلعاتها، ويميل البعض للاعتقاد أن غالبية دوافع المشاركة في التصويت تأتي من خلفية سياسية لدعم مرشحي الحزب الذي يؤيده الناخب الشاب، بينما تتضاءل المشاركة الشبابية أكثر عند الحديث عن الترشح لهذه الخدمة العامة. جمعية «نحن» كان لها صولات وجولات في تناول موضوع البلديات والعمل البلدي، فقادت الحراك الذي طالب بلدية بيروت بفتح حرش المدينة أمام الزوار، كما نظمت العديد من اللقاءات البلدية المفتوحة، ويعتبر مديرها التنفيذي الشاب محمد أيوب أن هناك جهلاً بالقانون البلدي بالإضافة إلى غياب البرامج الواضحة لدى المرشحين. وأشار أيوب مثلاً إلى أن بلدية أساسية لا تملك موقعاً على شبكة الإنترنت، ما يحرم الشباب من الاطلاع على عملها وقراراتها، متحدثاً عن حملة شبابية تنظمها «نحن» بهدف إعلان مقررات البلديات وإشهار موازناتها «أونلاين». وكشف أيوب عن محاولة لحض الشباب على المشاركة في هذه المناسبة من خلال التذكير بعشرة أسباب ضرورية للتصويت، مؤكداً في هذا الإطار على وجود حالة من الإحباط لدى جيل الشباب عموماً من العمل في الشأن العام خصوصاً وسط الأزمات التي يشهدها لبنان وفي مقدمها أزمة النفايات التي لم تجد لها حلاً بعد. ويطالب أيوب بتعديل قانون الانتخاب لخفض سن الاقتراع مما يوسع مشاركة الشريحة الشبابية في الشأن العام، كما يشجع على دعم ترشيح شباب من الناشطين وأفراد المجتمع المدني الذي كان له أخيراً حضور في الساحة العامة بدءاً من التظاهرات ضد أزمة النفايات وصولاً الى عدد من التحركات التي تعنى بالمساحات العامة، كالواجهة البحرية في الرملة البيضا، او الدالية، او حرش بيروت... الخ. وفي بيروت تحديداً برزت خلال هذه الانتخابات حملة «بيروت مدينتي» التي نالت استحساناً وتشجيعاً من ناشطين ومثقفين كثيرين في لبنان، وتسعى الحملة الى إيصال أفراد لائحة مكونة من 24 مرشحاً لتولي مهمات بلدية بيروت، وهم يتوزعون مناصفة بين الذكور والإناث وفاعلون في مختلف أنواع الأعمال والنشاطات. «بيروت مدينتي» قد تكون اللائحة الأكثر حيوية بين اللوائح، ليس لصغر سن اعضائها فحسب ويتراوح متوسط اعمارهم بين 33 و35 سنة، وانما لحيويتهم كأشخاص ورصيد كل منهم في العمل بالشأن العام المجتمعي. وتقول فرح قبيسي (28 سنة) أصغر مرشحات اللائحة أن السلطة القائمة في لبنان لم تترك للشباب فرص عمل ولا حلولاً لكثير من القضايا الحياتية ومنها السكن مثلاً ما جعل الهجرة خياراً أساسياً. وتعول قبيسي، الباحثة في الحركات الاجتماعية والعمالية، والناشطة السياسية على الشباب المتطوعين في «بيروت مدينتي» والذين يزيد عددهم عن ألف متطوع، ما يشكل برأيها «إشارة إلى الرغبة الشبابية الكبيرة في إحداث تغيير من خلال حملة تقدم بديلاً من الخيارات التقليدية السائدة لسنوات».
مشاركة :