يكذب من يقول بفشل المجتمع الدولي في وضع حد ينهي غطرسة نظام الأسد وإجرامه في حق شعبه، وفي أضعف الإيمان هو «يتجمل»، لأن هذا المجتمع الدولي، مع تحفظي على تسميته «المجتمع»، لم يفعل شيئاً في حقيقة الأمر حتى ينجح أو يفشل. ويبدو إنه واضح حتى لجاهل في السياسة مثلي أن هذا المجتمع لا يرتقي حتى إلى مستوى الذكاء والخبث بحيث ينفذ أجندة أو مؤامرة نعرف أن أميركا وإسرائيل المحتلة وروسيا هي أهم أطرافها. إنه وبكل بساطة شكل أممي اخترعه الإعلام. الأمم المتحدة ومجلس الأمن وأية مؤسسة أو منظمة أو جهة سقطت في أعين البشرية جمعاء. تناثرت أشلاء الصورة الذهنية عنها مع أشلاء الأطفال والنساء والمدنيين العزل في حلب، أصبحت أسماء تثير السخرية، وتدعو شباب العالم إلى «الكفر» بها كفراً تاماً، فلا تنتظر منهم، من المنصفين منهم تحديداً، بعد اليوم أي احترام أو اعتراف بها من الأساس. أما الشباب المسلم والعربي فإنه حقاً في وضع عاطفي وروحي لا يحسد عليه، هو صامت قتله الإحساس بالعجز، وإن هو «غرد» أو مارس بعض التنفيس في قنوات الاتصال والتواصل شعر بارتياح واهٍ وواهم، كونه يعرف أن هذه حيلة عاجز، وأن الدم السوري يضاف إلى قائمة الدماء الرخيصة في العالم العربي، لكنه يأتي بمرارة أكبر، كون من يسفكه ليس العدو الإسرائيلي، ولا المحتل الاستعماري، ولا حتى عصابة للمخدرات أو السلاح، إنه رئيس نظام برتبة رئيس عصابة يفترض أنه ابن البلد نفسه، لكنه في الحقيقة ابن لشيء آخر أو لبلد آخر، ربما إسرائيل أو روسيا أو الولايات المتحدة الأميركية. لم يعد هناك جديد من الممكن أن يقال على المنابر أو في الصحف، في وصف مأساة المشهد السوري، عفواً: وصف مأساة الإنسان السوري. وفي كل مرة يتفوق إجرام نظام الأسد فيها على نفسه، ويصل لمستويات من الهمجية الوحشية لم يسبقه إليها أحد من قبل. لم يعد هناك ما نستطيع أن نلقنه إلى بناتنا وأبنائنا عن العروبة. وأخشى أن يأتي يوم لا نستطيع أن نبرر لهم كيف أن أكثر ظلم يقع على أبناء عمومتهم من مواطنيهم، إذا اتفقنا على اعتبار السفاحين والجلادين مواطنين. ينضم المنظر السوري الأليم إلى المنظر الفلسطيني في لوحات متتابعة تظهر عجزنا عن إيصال فكرة تاريخية وثقافية واضحة لأبنائنا، وعلى رغم اختلاف العدوين، إلا أنهما اليوم في ميزان وحشي واحد، وربما ترجح كفة ميزان سوري مجرم يقتل سورياً بريئاً أعزل، على كفة إسرائيلي مجرم يقتل فلسطينياً مسالماً أعزل. عشرات السنين نبكي فلسطين، وسنوات تتوالى علينا اليوم نبكي سورية والعراق، ولو أن الدمع ينتج أي نوع من الأسلحة البيولوجية أو الجرثومية أو حتى العاطفية الإعلامية لبتنا نحكم العالم اليوم من أطرافه، ولكانت الأمم المتحدة ومنظماتها أسيرة لأمزجتنا وأهوائنا ومصالحنا المعلنة والخفية. الإنسان في الكرة الأرضية يهجر فكرة «المجتمع الدولي» و«الأمم المتحدة»، والخشية من «البديل» الذي يعتنقه أو يسير وراءه بحثاً عن العدل. محمد اليامي mohamdalyami@gmail.com
مشاركة :