د. ماجد بن محمد الكندي ** ومع السابق وأهميته لا يدرّس مساق العمليات المصرفية الإسلامية في كلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس رأسًا، ويدرس مساق (ISLAMIC BANKING) في كلية الاقتصاد في مساق اختياري، والتدريس اقتصادي وليس حقوقيًا، أما كلية العلوم الشرعية فيطرح مساق (مبادئ الاقتصاد الإسلامي) وهو مساق اختياري، وعنايته أكثر بالاقتصاد عمومًا ولا يدخل العمل المصرفي فيه إلا قليلا، وبدأت الكلية حديثًا بطرح مساق (الاقتصاد الإسلامي) لمرحلة الماجستير، وعلى حد علمي هناك مساق واحد في (المعاملات المصرفية والنقدية الإسلامية) من مجموع ما تشتمل عليه كلمة (الاقتصاد الإسلامي). السابق يقتضي أن القاضي الذي سيفصل في الخصومة غير مدرك من حيث التكوين الأكاديمي لعقود الصيرفة الإسلامية ولو بتفكير سطحي مبدئي، فكيف يجتمع ذلك والتعقيد البالغ في عقود المؤسسات المالية الإسلامية؟! كما إنَّ فصل النزاع في خصومات الصيرفة الإسلامية يستلزم إدراكًا راسخا للقانون التجاري ولفقه المعاملات المالية ولمقررات المجامع الفقهية ودور الفتوى والهيئات الشرعية على حدٍّ سواء، وهذا قد لا يتاح لكثيرين، فكيف يجمع ما مضى مع أمر عليه أناس يجعلون القواعد الحاكمة للعمل المصرفي التقليدي هي القواعد الحاكمة للعمل المصرفي الإسلامي، وتلك ليس لها سوى عقد القرض، والإسلامية كل عقود التمويل والتمول فيها لا تجتمع والقرض بمعناه المصرفي، بل أصل قيامها للتخلص منه. والتحكيم ضروري لفض النزاعات المتعلقة بالمؤسسات المالية الإسلامية مع بعضها ومع عموم المتعاملين معها، وهو أمر خير تضمن به هذه المؤسسات تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وصناعة الخدمات الإسلامية لها خصائص تميزها عن الصناعة المالية التقليدية، ودور المؤسسات المالية الإسلامية في دنيا الناس الآن وانتشارها في بيئات وتشريعات قانونية مختلفة يحتم عليها أن تحفظ أصل قيامها وهو الالتزام بالشريعة، وعلى المذكور فيؤكد أهمية اعتماد التحكيم في المؤسسات المالية الإسلامية حلًّا لفصل النزاع أمور عدة: 1- مطابقة قرارات هيئات التحكيم لأحكام الشريعة الإسلامية، فالمفترض في المحكَّمين المختصين بالمؤسسات المالية الإسلامية أنهم مختصون في فقه المعاملات الإسلامية ببعديها الفني والشرعي وأنهم أقدر على استيعاب الطبيعة الخاصة بالمعاملات المالية الإسلامية، وهذا يحفظ أصل مبدأ تحكيم الشريعة ابتداء في العقد وانتهاء في حل النزاع، فنظام التحكيم يضمن للمؤسسات المالية والمتعاقدين معها اختيارَ القانون الذي يحكم عقودهم وحل نزاعاتها. 2- تقليل الضرر بقطع الطريق على المماطلين الذين تقضي أحكام الشريعة بأن لا يجوز فرض الغرامات التأخيرية عليهم، والغالب في سير القضاء العادي التأخر ومضي المدد الطويلة إلى حين الفصل في القضية، بل قد يستغرق الفصل في القضية الواحدة سنين عدة، وهذا يضاعف الضرر على المؤسسات المالية في الحال الذي لا ترى فيه المؤسسات المالية التقليدية غضاضة عليها فيه بسبب أخذها غرامات التأخير، وعليه فالتحكيم يعالج ذلك كله، والأصل في سير إجراءاته السرعة والبت في أقل مدة ممكنة فتقلل المؤسسات المالية ضررها. 3- يُقيِّدُ كثيرٌ من المؤسسات المالية الإسلامية عقودها حين الفصل في النزاع بمبدأ أن يكون الحكم غير متعارض والشريعة الإسلامية، أو أنها لا تجيز للطرفين أخذ الفائدة إعطاء وأخذًا، لكن المشكلة في هذا القيد تكمن في أمرين: أ- المحاكم لا يلزمها هذا التقيد فتعيد التكييف للعقود حتى تتلاءم ومقررات القوانين الوضعية التي يألفها هذا القضاء في أكثر ما يعرض عليه. ب- القضاء العادي غير قادر على تفسير مبدأ الشريعة الإسلامية؛ لأنه غير مدرك لطبيعة عقودها وأبعادها، وعلى الأخص من ذلك المحاكم البريطانية التي يعرض عليها كثير من قضايا المؤسسات المالية الإسلامية، ويدلك على ذلك لجوء القاضي الغربي إلى تعيين خبير للتعريف بالمرابحة أو لمعرفة الوكالة بالاستثمار شروطًا وآثارًا. والواقع أن فقه المعاملات المالية المعاصرة المتعلق بالمؤسسات المالية الإسلامية دقيق جدًا لا يكاد يدركه كثير من المتخصصين في الشريعة الإسلامية إن لم يكن لهم اهتمام خاص بهذا الفقه وتخصص دقيق فيه، وبقصد التحكيم تجنب المؤسسات المالية الإسلامية من أن تحتكم إلى المحاكم الغربية التي لا تقر بأحكام الشريعة الإسلامية. 4- حل النزاعات والفصل في قضايا الأموال خصوصًا المتعلق منها بالعمل المصرفي يستلزم مرونة وسرعة وسرية وقلة كلفة، وهذا قد لا يكون في كثير من محاكم القضاء العام، والتحكيم بوصفه عملًا قائمًا بهذا الأمر ومختصًا به يدرك هذه المطالب فيتجاوز هذه الكلف كلها فلا يطَّلع على القضايا سوى أصحابها وتفصل بسرعة ومرونة لسهولة إجراءات التحكيم ونأيها عن التعقيد والرسمية التي تطبع القضاء العام. ** قسم العلوم الإسلامية - كلية التربية - جامعة السلطان قابوس
مشاركة :