يستحي من أهله!

  • 5/3/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

إلى الذين رفعهم الله درجات علمية، أو مهنية، أو مالية فوق مستوى إخوانهم وأخواتهم، وربما كل أسرتهم، أشعر بكم، وبحجم مآزق البون الشاسع القابع بينكم وبين أسرتكم. وأشعر برغبتكم، ومحاولاتكم الحثيثة للالتحام، وأن الحديث معهم لم يعد ذا شجون، وكذلك فداحة وفخامة الفاتورة المطلوب دفعها من أجل نقل كامل أسرتك إلى مستواك الجديد. أدرك كل كذلك، لكن لا يليق برجل ناجح -مثلك- أن يدير ظهره، ويهرب من الاعتراف لنفسه وللمجتمع بأن هذه الأسرة جذورك، حتى إن رث حالها، أو بهت مظهرها ومقالها، ثم لا أجدك في مرابعهم إلا -على استحياء- في مناسبات عزاء، بينما هم لا يجدون تفاخرا إلا بك، ولا أمل معلقا إلا عليك. كانت الدراما المصرية القديمة منساقة لمحاولة حل المآزق بعد عودة (ابن المدارس، الأفندي) إلى الصعيد العميق، وعدم قدرته على التأقلم مع (انحطاط مستوى معيشة أسرته) مقارنة بالنمط القاهري، وكذلك عزوفه عن الزواج من بنت عمه بعد أن امتلأت عيناه بهند رستم، نادية لطفي، أو كاميليا، وهذه الأخيرة كانت حكاية فاخرة. تحتضن جدة، الرياض، والشرقية أسماء فاخرة، بارقة، ولامعة تورطت منذ زمان في مستنقع الهروب من أسرتهم المقيمة في زوايا قرية نائية، أو حارة قديمة في مدينة صغيرة، وكأن تنمية حياة أسرتهم مسألة غير متعلقة بذمتهم، أو همتهم، بينما يعمل لديهم أو عندهم أجانب يرسلون كل رواتبهم الشهرية إلى ذويهم من أجل ترقية مستوياتهم المعيشية، أو فواتير صحة وتعليم. بات يسيطر على منهج تفكيري بأن غالبية الأفراد المتطورة من الأسر السعودية الفقيرة يحتاجون إلى عون طبي نفسي يساعدهم على فهم الحالة بشكل أفضل، ذلك أنه مذموم من الله والناس إذا أعتقد بأن إخوانه وأخواته الأصغر، أو الأفقر، منهمكون في امتصاص دم راتبه، أو (يُنمّشون) صفاء وجاهته. نعم، فاتورة نقل كامل أسرتك إلى مستواك المعيشي والاجتماعي عالية ماليا وفكريا، ونفسيا، لكن فاتورة نزولك إلى مستواهم لا تكلفك إلا التواضع لنعمة حيازتك أسرة تحبك حتى لو كانت أفقر منك أكاديميا أو ماليا، أو مهنيا، لأنهم ورغم الجفاء القادم منك لاينطقون اسمك -حتى في غيابك- إلا مسبوقا بكلمة (أخوي) «بس لو أخوي خالد يزورنا». يصعب -إلا نادرا- العثور على سيدة من أسرة فقيرة أدارت ظهرها لأسرتها بعد أن منحها الله علما، أو وظيفة، أو زوجا ثريا، لأنها تتمتم يوميا حتى وهي في الأسواق «هذا يعجب أختي، هذا يطلع حلو على أخوي» كما أنها تدفن عقلها، عيونها، وجسدها في أحضان أسرتها عندما تزورهم، بينما سوالفها مع زميلاتها في الثراء أو العمل مختصرة بجملة واحدة (يالله، كم اشتقت لأهلي). إلى الذين رفعهم الله درجات علمية، أو مهنية، أو مالية أكبر من أسرهم الفقيرة، حاولوا إعادة تجذير أنفسكم وأولادكم مع أهليكم، أو أنكم ستواجهون نمو أولادكم في ضعف هوية، وشح انتماء، فظل العم أو الخال أكبر بكبير من (حيطة) قصوركم، وحساباتكم البنكية.. وللنكران بقية.

مشاركة :