في إطار تعزيز التنمية عالية الجودة للتعاون بين الصين والدول العربية، تكثف الصين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرهما من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية جهودها لتوطيد التعاون في الصناعات التقليدية وتوسيع المجالات التعاونية الجديدة باستمرار بهدف الارتقاء بجودة وكفاءة التواصل الودي بين الجانبين. -- تعميق التعاون في مجال الطاقة التقليدية وتطوير صناعة البتروكيماويات الخضراء حققت التبادلات الاقتصادية والتجارية والتعاون في الطاقة التقليدية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي نتائج مثمرة. وأظهرت بيانات رسمية أن حجم التجارة بين الجانبين بلغ 143.4 مليار دولار أمريكي خلال النصف الأول من عام 2024، حيث استوردت الصين من دول الخليج العربية الست 92.688 مليون طن من النفط الخام خلال الفترة المذكورة. وفي ميناء دونغجياكو بمنطقة شيهايآن الجديدة في مدينة تشينغداو بمقاطعة شاندونغ شرقي الصين، ترسو سفن الغاز الطبيعي المسال القادمة من قطر بشكل دوري، حيث يتم نقل الغاز الطبيعي المسال القطري إلى مختلف المناطق في شمالي الصين عبر المدينة. وظلت الصين أكبر شريك تجاري وأكبر وجهة للتصدير وأكبر مصدر للواردات لقطر لمدة ثلاث سنوات متتالية، كما تعد قطر ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال للصين. وفي السنوات الأخيرة، وقعت شركة قطر للطاقة اتفاقيات شراء وبيع طويلة الأجل للغاز الطبيعي المسال مدتها 27 عاما، واتفاقيات مساهمة مع الشركة الوطنية الصينية للبترول والشركة الصينية للبتروكيماويات على التوالي. وفي عام 2023، استوردت الصين 16.661 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال من قطر. ومن الجدير بالذكر أن خطة قطر لتوسيع إنتاج الغاز الطبيعي المسال تتطلب عددا كبيرا من سفن النقل الخاصة والمرافق الداعمة. وفي السنوات الأخيرة، حققت الشركات الصينية نجاحا مستمرا في الفوز بعطاءات المشاريع ذات الصلة في السنوات الأخيرة. وفي نهاية أبريل الماضي، وقعت شركة قطر للطاقة وشركاؤها الصينيون اتفاقيتين في العاصمة الصينية بكين. وتتعلق الاتفاقية الأولى بتكليف الشركة الوطنية الصينية المحدودة لبناء السفن ببناء 18 ناقلة ضخمة للغاز الطبيعي المسال لتلبية احتياجات النقل لدى قطر؛ وتشمل الثانية توقيع شركة قطر للطاقة عقود إيجار طويلة الأجل مع ثلاث شركات صينية لتوفير تسع ناقلات ضخمة للغاز الطبيعي المسال. وفضلا عن التعاون في قطاع الطاقة التقليدية، تسعى الصين ودول الخليج العربية إلى تطوير صناعة بتروكيماوية حديثة وأكثر استدامة. وفي يوم 29 مارس عام 2023، أقيمت في مدينة بانجين بمقاطعة لياونينغ في شمال شرقي الصين مراسم وضع حجر الأساس لبناء مجمع متكامل للتكرير والبتروكيماويات، وهو مشروع مشترك كبير بين "أرامكو" السعودية ومجموعة "نورينكو" الصينية وشركة محلية أخرى، ويهدف إلى إنشاء قاعدة للبتروكيماويات وصناعة الكيماويات الدقيقة بمواصفات عالمية. وبلغ إجمالي قيمة الاستثمار في المشروع 83.7 مليار يوان. وبعد اكتمال أعمال البناء وبدء العمليات الإنتاجية، من المتوقع أن تبلغ الطاقة الإنتاجية السنوية للمشروع 15 مليون طن من النفط المكرر، و1.65 مليون طن من الإيثيلين، ومليوني طن من البارا-زيلين، بينما سيحقق دخلا سنويا يزيد عن 100 مليار يوان، وربحا إجماليا بأكثر من 10 مليارات يوان، وعائدات ضريبية تزيد عن 20 مليار يوان. وإلى جانب التعاون مع الشركات الصينية، بادرت "أرامكو" السعودية إلى تعزيز التعاون مع مقاطعة قوانغدونغ بجنوبي الصين، حيث وقعت معها مذكرة تعاون في مارس عام 2023 في بكين. وبموجبها سيعمل الجانبان على استكشاف فرص الاستثمار في التعاون في مجال الطاقة، والبحث والابتكار، والمشاريع الصناعية، وتبادل الكفاءات وغيرها من المجالات. وفي 19 فبراير الماضي، بدأ بناء الجزء الرئيسي من مشروع "قولي" لإنتاج الإيثيلين باستثمارات يصل إجماليها إلى حوالي 44.8 مليار يوان، وهو مشروع نموذجي آخر للتعاون بين الصين ودول الخليج العربية في مجال الطاقة. ويتم بناء المشروع بالتعاون بين الشركة السعودية للصناعات الأساسية وشركة فوهوا قولي في فوجيان الصينية، ويقع المشروع في منطقة التنمية الاقتصادية لميناء قولي بمدينة تشانغتشو في مقاطعة فوجيان، وهي منطقة جوهرية على "طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين". ومن المتوقع أن يكتمل بناء مشروع قولي لإنتاج الإيثيلين، وتشغيله بحلول نهاية عام 2026، وأن يصل إنتاجه السنوي من الإيثيلين 1.8 مليون طن. ولا يقتصر هذا المشروع على تلبية طلب السوق والعملاء من المنتجات الكيميائية المتطورة، بل يدفع أيضا مصب سلاسل الصناعة إلى خلق المزيد من فرص الاستثمار. -- تنويع ميادين التعاون بين الصين ودول الخليج العربية وترقية جودته تعد الصين ودول الخليج شركاء طبيعيين في التعاون، حيث يكمل كل منها الآخر في هيكل الاقتصاد، إذ تمتلك الصين سوق استهلاكية واسعة ونظاما صناعيا متطورا، بينما تتمتع دول الخليج بموارد طاقة وافرة. ومنذ انعقاد أول قمة للصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية في عام 2022، ظل الجانبان يعملان بجد لتعزيز التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي والتنمية المستدامة وبناء منشآت البنية التحتية، مما أسفر عن نتائج إيجابية. وأصبح التعاون في مجال الطاقة الكهروضوئية من أبرز نقاط التعاون بين الجانبين. وفي العام الجاري، أعلنت عدة شركات صينية في مجال الطاقة الجديدة مثل شركة "جينكو سولار" وشركة "تي سي إل تشونغهوان" ومجموعة "إنفينجن" وشركة "سونغرو"، عن إطلاق مشاريع تشمل الطاقة الكهروضوئية وتخزين الطاقة وطاقة الرياح في منطقة الشرق الأوسط. ومن بين المشاريع، أعلنت شركة "جيكور سولار" الصينية في يوليو الماضي عن إنشاء مصنع لإنتاج خلايا وحدات الطاقة الشمسية ووحدات الطاقة بقدرة 10 جيجاوات في السعودية، والذي يعد المصنع الرابع للشركة، باستثمارات تبلغ حوالي 985 مليون دولار أمريكي. ومن المتوقع أن يكون المصنع الجديد "مصنعا أخضر"، لإنتاج الطاقة الخضراء بالكهرباء النظيفة. وبجانب التعاون في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والصناعات الناشئة، تواصل الشركات الصينية العمل مع نظيراتها في دول الخليج العربية للمساهمة في التنمية المتنوعة المحلية. وعلى سبيل المثال، شهد رصيف أبو ظبي بالميناء البحري لشركة تشاينا كوسكو المحدودة للشحن نموا في حجم معالجة الحاويات بنسبة تزيد عن 30 في المائة ليصل إلى 1.35 مليون حاوية معيارية في عام 2023، وذلك بفضل جهود تحديث الميناء وتحويله إلى ميناء ذكي للحاويات. كما كشف يان شيوي قوانغ، نائب الرئيس التنفيذي رفيع المستوى والمدير العام لمنطقة الصين الكبرى في مجموعة عجلان وإخوانه القابضة، أن المجموعة تعاونت مع شركة "إس إف" الصينية الرائدة في الخدمات اللوجيستية، حيث شارك موظفو شركة "إس إف" في توصيل الطرود في السعودية، مما ساهم في تحقيق نمو قوي في عدد الطلبات اليومية النشطة. بجانب ذلك، تعاونت المجموعة مع شركة صينية للتكنولوجيا المالية، حيث حصلت الشركة الصينية على تراخيص الدفع من خلال الطرف الثالث والمحافظ الإلكترونية، بهدف الإسهام في بناء "مجتمع بدون نقود" في السعودية. --توطيد التعاون من خلال التبادل الثقافي تعد اللغة جسرا هاما للتبادل الثقافي وتفاهم الشعوب. وخلال السنوات الأخيرة، ازدادت رغبة الشعوب العربية في دراسة اللغة الصينية، الأمر الذي يضخ زخما جديدا ويضع أساسا أمتن للتعاون العملي بين الصين والدول العربية. وفي وقت مبكر من عام 2022، أطلقت أربع جامعات في المملكة العربية السعودية برامج للغة الصينية. وبحلول عام 2023، افتتح معهد كونفوشيوس في جامعة الأمير سلطان بالرياض. وتوصلت الصين والمملكة العربية السعودية في عام 2023 إلى اتفاق لتعزيز التعاون في تعليم اللغة الصينية. وقد أدرجت السلطات التعليمية السعودية تعليم اللغة الصينية في نظام التعليم المدرسي في البلاد. وفي أواخر شهر أغسطس الماضي، وصلت الدفعة الأولى من مدرسي اللغة الصينية، والذين يبلغ عددهم 175 مدرسا، إلى السعودية لبدء تعليم اللغة الصينية. وقال دينغ لونغ، الأستاذ بمعهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية، إن إرسال هؤلاء المعلمين إلى السعودية من شأنه المساعدة على حل المشكلات التي يواجهها تدريس اللغة الصينية في المملكة بشكل منهجي وإرساء أساس متين على المدى الطويل لتنمية تعليم اللغة الصينية في السعودية. وبدوره، قال غرم الله الزهراني، مدير مدرسة الوليد بن عبادة المتوسطة في الرياض، وهي إحدى المدارس التي استقبلت المدرسين الصينيين، إن رغبة الطلاب والمجتمع في تعلم اللغة الصينية تتزايد يوما بعد يوم، مشددا على الاهتمام المتزايد باللغة الصينية بسبب التبادل الثقافي والمجتمعي بين المملكة والصين. أما في الإمارات العربية المتحدة، فتم إطلاق مشروع "مائة مدرسة" لتعليم اللغة الصينية بشكل رسمي خلال يوليو 2019. وحتى مايو الماضي، أصبح هناك 171 مدرسة في الإمارات تقدم دورات اللغة الصينية، ويدرس فيها 71 ألفا من متعلمي اللغة الصينية. وقال هوانغ شواي، الذي يُدرّس اللغة الصينية في مدرسة الغزالي في أبوظبي منذ عام 2019، إن مشروع "مائة مدرسة" لتعليم اللغة الصينية لا يوفر للطلاب المحليين فرصة لتعلم اللغة الصينية فحسب، بل يوفر أيضا فرصا أكثر للطلاب الأجانب الذين يعيشون في الإمارات. وتابع هوانغ "من بين أكثر من 200 طالب في الصفين السابع والثامن الذين أقوم بالتدريس لهم، جاء نصفهم تقريبا من الدول المجاورة، مثل مصر وسوريا وفلسطين والأردن وقطر والسعودية ولبنان والسودان"، مضيفا: "يمثل المشروع نقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر إشراقا وتنوعا لهم جميعا". وحتى نهاية عام 2023، تم إدراج اللغة الصينية في المناهج الدراسية الوطنية بشكل رسمي في ست دول عربية، وقامت الصين بإنشاء 21 معهد وفصل كونفوشيوس بالتعاون مع 13 دولة عربية.
مشاركة :