السينما فن راق متطور فيه إبداع وتميز، برعت فيه دول عالمية وعربية، يعالج موضوعات اجتماعية وثقافية وعلمية، وها هو جيل جديد في بلادنا العربية يتطلع إلى هذا الفن ويتجه نحوه بفكره الذي يحمل رؤى واسعة يرغب في نقلها ومعالجتها ويصبو إلى تحقيق هدف وغاية. هذا الفن لا يمكن أن يبحر فيه شخص واحد ليحقق الغاية المنشودة وإنما يعتمد على مجموعة من الأشخاص (الكاتب والمنتج والمصور والكومبارس والمخرج الذي هو العمود والمرتكز لهذا الفن). فتاة شابة سعودية جذبها هذا الفن وقرَّرت أن تكون علماً من أعلامه البارزين، إنها المخرجة (شهد أمين) التي حلمت به مذ كانت في العاشرة من عمرها حين كتبت القصة وسعت أن تكون مخرجة لأفلام سينمائية فبدأت خطوتها الأولى بفيلم قصير أسمته (موسيقانا) ثم فيلم (نافذة ليلى) وثالث يحمل عنوان (حورية وعين) الذي حاز على جائزة أفضل فيلم قصير. هذه الجائزة أشعلت نهم الإبداع في رأسها لصناعة الأفلام وتحقيق ما يصبو إليه ذاك الحلم الذي استوطن في مخيلتها؛ فالإرادة والتصميم أمران أساسيان في حياة شهد أمين وبهما نالت درجة البكالوريوس من جامعة غرب لندن في إنتاج الفيديو والدراسات السينمائية. بهذا الطموح المتأجج أخرجت فيلماً بعنوان (سيدة البحر) وحازت على جائزة فيرونا في مهرجان البندقية. وقد نثرت فيه تألق الفكرة وتناسقها مع الصورة المرئية باللونين الأبيض والأسود الذي منحه جمالية خاصة عالية المستوى لما قدمته بحرفية مهنية تفوق من له عشرات السنين في الإخراج. عرضت شهد أمين الجوانب المجتمعية المعقدة من خلال تجربة مرئية صوتية مستمدة من التاريخ وتناقضات مكانية متباينة برعت في عرضها براعة منقطعة النظير عندما ألقت الضوء على دور المرأة من خلال قصة خيالية؛ مزجت فيها أحداثاً واقعية تحدت فيها البطلة تقاليد المجتمع الذكوري الظالم للإناث في القرى النائية وجعلتها تتمرد على القيود المفروضة على المرأة ولكن مع الحفاظ على الاحترام الواجب للقيم والأخلاق والخصوصيات الثقافية المحلية. هذا الفيلم من بطولة ممثلة سعودية وإخراج شابة سعودية شكل طفرة مزدوجة في السينما السعودية تنذر بتباشير خير لهذا الفن الذي بدأت الحكومة تدعمه، حيث اختاره المجلس السعودي للأفلام ليمثّل السعودية في جائزة الأوسكار وقد تجاوز انتشاره كل التوقعات لنجاحه وتمكن المخرج الشابة شهد أمين من دخولها المحافل الفنية وفوزها بجائزة عالمية. شهد أمين رفضت تناول موضوع المرأة على أنها الضحية الضعيفة المستسلمة لما يُفرض عليها وأوصلت فكرة عظيمة مفادها أن المرأة تستطيع أن تكون قوية وتكسر كل العقبات إذا اتخذت قراراً بذلك ضمن الحفاظ على المثل العليا والأخلاق والكرامة واحترام خصوصيتها. لقد قدمت شهد أمين عملاً سينمائياً بمواصفات عالية الجودة من حيث التقنية والإبداع بطريقة التلميح إلى المجتمع العربي وجعل الصورة المرئية تعكس ما كان يعشش في رأسها من أفكار، حيث استطاعت نسج خيوط القصة وإيصال رسالة هي: الخروج عن المألوف دون اللجوء إلى الابتذال واستفزاز الأخلاق، بل المحافظة على قيم وأخلاق المجتمع السعودي. شهد أمين شعلة متقدة من التميّز ليس لها حدود، تصبو نفسها لنيل المراتب العليا دون توقف وهي تتابع مسيرتها فخورة بنفسها وبلدها رافعة قامتها بهذا النجاح والتفوق وتعمل على إخراج فيلمها الجديد (هجرة) وربما ستنتهي منه قريباً أو انتهت وتأمل أن يحقق نجاحاً كما حقق (سيدة البحر). هذه الشابة المتألقة فتحت الباب أمام الفتيات السعوديات للعمل في مجال السينما هذا الفن الباذخ الرقي في الجمال والعظمة وشجعت على تحقيق الأمنيات من خلال التركيز على التصميم والإرادة للوصول إلى الغاية المنشودة.
مشاركة :