في ضوء استعداد البنك المركزي الأمريكي لخفض تكاليف الاقتراض للمرة الأولى منذ أكثر من أربع سنوات، رفع المستثمرون بشكل ملحوظ رهاناتهم بإجراء الاحتياطي الفيدرالي خفضاً كبيراً للفائدة، بمقدار نصف نقطة مئوية خلال الأسبوع الجاري. وحالياً يضع المتداولون في أسواق المقايضات في الحسبان احتمالاً بنسبة 49% بأن الاحتياطي الفيدرالي سيلجأ إلى إجراء خفض كبير، في محاولة لتجنب الضرر بالاقتصاد من ارتفاع أسعار الفائدة. ويوم الخميس الماضي كانت هذه الاحتمالية 15% فقط، لكن إعادة التقييم بارتفاع الأسهم، الجمعة، دفعت مؤشري ستاندرد آند بورز 500، وناسداك إلى تحقيق أكبر مكاسب أسبوعية لهما هذا العام، بنسبة 4% و6% على التوالي. وقال مارك داودينغ، كبير مسؤولي الاستثمار لدى «آر بي سي بلوباي أسيت مانجمنت»، إن خفض الفائدة بمقدار نصف نقطة أصبح «مطروحاً بقوة» بعد أن «تم استبعاده تقريباً» في وقت سابق. وترى الأسواق فرصة بنسبة 51% لإجراء خفض أصغر بمقدار ربع نقطة، لكن احتمالية هذه الخطوة انخفضت بشكل ملحوظ، وقد أشار بالفعل كل من فاينانشال تايمز وول ستريت جورنال إلى أن الاحتياطي الفيدرالي يواجه خياراً صعباً بين خفض الفائدة بمقدار نصف أو ربع نقطة. وقال بيل دادلي، الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، إن ثمة «مبررات قوية» لخفض الفائدة بمقدار نصف نقطة الأسبوع الجاري، مشدداً على الأثر التقييدي لمعدل الفائدة الحالي البالغ 2.25% إلى 5.5% على النمو، وهو أعلى معدل منذ 23 عاماً. وعادة ما يجري الاحتياطي الفيدرالي زيادات بمقدار ربع نقطة، لكن خفض الفائدة بمقدار 0.5 نقطة قد يكون بمثابة إجراء استباقي حال رأى المسؤولون أن الاقتصاد مهدد بتباطؤ سريع. وكشف محضر اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في يوليو أن بعض المسؤولين يعتقدون أنه كان بالإمكان خفض أسعار الفائدة آنذاك، ما يشير إلى أن إجراء خفض أكبر في أسعار الفائدة قد يساعد الاحتياطي الفيدرالي على مواكبة وتيرة التضخم، التي واصلت الهبوط منذ ذلك الحين. وعلق تيم دوي، كبير خبراء الاقتصاد الأمريكي لدى شركة «إس جي إتش ماكرو أدفايزرز»، بالقول، إن «المسار الذي ينطوي على أقل قدر من الندم بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي هو البدء بخفض قدره 50 نقطة أساس. إنه الخيار المنطقي الوحيد فيما يتعلق بالسياسات». وأشار غابرييل فوا، مدير صندوق في شركة «ألجيبرس إنفستمنت»، إلى أنه «كان من الأفضل للاحتياطي الفيدرالي البدء بخفض أسعار الفائدة» بدلاً من المخاطرة «بالتخلف عن منحنى الركود». وينطوي اجتماع الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء، وهو الاجتماع الأخير قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر بين كامالا هاريس، ودونالد ترامب، على حساسيات خاصة، حيث يسعى المسؤولون إلى توجيه أكبر اقتصاد في العالم صوب «الهبوط الناعم»، مع كبح جماح التضخم دون أن يؤدي ذلك إلى إحداث ركود. وأظهر مسح تراقبه الأسواق عن كثب أجرته جامعة ميشيغان أن توقعات المستهلكين حيال التضخم خلال العمل المقبل قد انخفضت إلى 2.7%، وهو أدنى مستوى منذ أواخر عام 2020. بالإضافة إلى ذلك أشار التقرير إلى أن معنويات المستهلكين لشهر سبتمبر ارتفعت إلى أعلى مستوى لها في 4 أشهر. ويوم الجمعة انخفض العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عامين، والذي يعكس توقعات أسعار الفائدة، ويتحرك عكسياً مع أسعار السندات، بنحو 0.06 نقطة مئوية إلى 3.59%. وذكر المحللون أن الاجتماع من أكثر الاجتماعات غموضاً منذ سنوات، في ظل البيانات الأخيرة، التي رسمت صورة متباينة للاقتصاد مع استمرار ضغوط الأسعار وتدهور سوق العمل. وبحسب بيانات الأسبوع الأخير تراجع التضخم العام إلى 2.5%، وهو ما يقترب من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%، لكن التضخم الأساسي شهد ارتفاعاً أكثر من المتوقع بنسبة 0.3% على أساس شهري، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ضغوط سوق الإسكان، وحذر ويلي توليت، كبير مسؤولي الاستثمار لدى شركة فرانكلين تمبلتون إنفستمنت، الذي يتوقع خفضاً بمقدار ربع نقطة، قائلاً «إذا استمر التضخم في قطاعي الإسكان والمأوى فقد يؤدي خفضاً بمقدار 50 نقطة أساس في الواقع إلى تسريع أو تفاقم الوضع». وأضاف أن الانتخابات قد تزيد من تعقيد القرار بإجراء خفض كبير. وأشار ترامب إلى أن قرار الاحتياطي الفيدرالي بخفض الفائدة قد يساعد هاريس، نائبة الرئيس الحالي، «رغم أنه شيء يعرفون أنه من المفترض التوقف عن القيام به». وقال توليت إن «الاحتياطي الفيدرالي يهدف إلى التصرف لصالح الاقتصاد، لكن لا أعتقد أنهم يريدون أن يُنظر إليهم على أنهم يساعدون المرشح الحالي من خلال إجراء تخفيضات أكثر حدة»، لكن مع ارتفاع معدلات البطالة وتراجع الطلب يهدف مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي إلى منع تفاقم التدهور في سوق العمل. وخلال الشهر الماضي أكد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أن البنك المركزي «سيبذل كل ما في وسعه للحفاظ على سوق عمل قوية، بينما يتم إحراز المزيد من التقدم نحو استقرار الأسعار». وقال سلمان أحمد، رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في فيديليتي إنترناشيونال، «الأمر أشبه بلعبة القط والفأر. لقد بدأنا دورة خفض الفائدة، لكن لا يزال الكثير غير مؤكد». وأضاف أنه خلال جزء كبير من دورة ما بعد الوباء كان من الواضح تماماً أن السوق والاحتياطي الفيدرالي ليس لديهما أي فكرة عما سيقرره الاحتياطي الفيدرالي. وفي ديسمبر الماضي أشارت توقعات الاحتياطي الفيدرالي إلى إجراء خفض بمقدار 0.75 نقطة خلال 2024، لكن بحلول يونيو أشارت إلى إجراء خفض واحد بمقدار ربع نقطة خلال العام. تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز كلمات دالة: FT Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :