مع اقتراب موعد التصويت في انتخابات الرئاسة الأميركية يوم 5 نوفمبر المقبل، يتعين على نائبة الرئيس الأميركي ومرشحة الحزب الديمقراطي في هذه الانتخابات كامالا هاريس أن تستعد في حال فوزها في الانتخابات ثم تولي مهام المنصب يوم 20 يناير المقبل لمواجهة التحدي الخطير الذي تمثله كوريا الشمالية للأمن القومي الأميركي. يقول مالكلوم ديفز المحلل البارز في معهد السياسة الاستراتيجي الأسترالي والمسؤول السابق في وزارة الدفاع الأسترالية في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية إن استمرار سياسة "الصبر الاستراتيجي" التي تتبناها إدارة الرئيس جو بايدن حاليا بمثابة طريق إلى الفشل. فهذه السياسة لم تمنع بيونغ يانغ من زيادة وتحديث ترسانتها النووية بسرعة بما في ذلك إنتاج صواريخ نووية تكتيكية يمكن استخدامها لابتزاز وقهر جارتها كوريا الجنوبية. والحقيقة أن أي فشل للولايات المتحدة في كبح الطموحات النووية لكوريا الشمالية يثير خوف كوريا الجنوبية من عدم فاعلية الردع النووي الأميركي بالنسبة لبيونغ يانغ. لذلك يدور حديث قوي في سيئول بشأن ضرورة امتلاك البلاد ترسانتها النووية للرد على النمو السريع للترسانة النووية في الشمال، أو على الأقل التوصل إلى ترتيبات معينة تتيح عودة بعض القوات النووية الأميركية إلى شبه الجزيرة الكورية. ويحذر ديفز الزميل باحث الدكتوراه في العلاقة الصينية الغربية بجامعة بوند الأسترالية سابقا من أن استمرار الصبر الاستراتيجي لإدارة بايدن في عهد هاريس سيؤدي إلى الانتشار النووي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وربما في جنوب آسيا. ويتعين على الإدارة الجديدة تعزيز الردع على كافة المستويات وبطريقة واضحة لبيونغ يانغ. فالولايات المتحدة تحتاج إلى الخروج من فخ الصبر الاستراتيجي. وفي حال فوزها بالرئاسة، ينبغي على هاريس إعادة تأكيد أن ضمانات الأمن التي تقدمها الولايات المتحدة لكل من اليابان وكوريا الجنوبية بما في ذلك باستخدام قوة الردع النووي الأميركية مازالت قوية ويُعتمد عليها. ويجب أن تتعزز هذه التحركات بتغييرات مرئية في طبيعة الوجود العسكري الأميركي في المنطقة. وعلى الإدارة الجديدة تأييد دعوات أعضاء الكونغرس لإعادة التسلح بالصواريخ النووية التي تنطلق من البحر كجزء من المراجعة المقبلة للوضع النووي الأميركي. هذه الصواريخ النووية التي يمكن إطلاقها من البحر كانت مصممة في البداية لاستخدامها مع الغواصات النووية طراز فيرجينيا، والغواصات إس.إس.إن-إكس المستقبلية، وهي تعطي القوات النووية الأميركية مرونة أكبر. كما أنها تؤكد امتلاك الولايات المتحدة للمزيد من الخيارات في التعامل مع التهديد النووي الكوري الشمالي، بعيدا عن الصواريخ النووية بعيدة المدى. ومن الواضح أن معاهدة الحد من الأسلحة النووية "نيو ستارت" ستنتهي في 2026، في حين لا تبدو روسيا راغبة في تجديدها. وفي ظل تحديث القوات النووية الروسية وتحديث وزيادة القوة النووية الصينية، من المحتمل أن تواجه الولايات المتحدة بيئة نووية معادية أكبر. وعلى إدارة هاريس في حال انتخابها ألا تخاطر بجعل سيئول تختار بناء ترسانتها النووية الخاصة نتيجة استمرار سياسة الصبر الاستراتيجي. وعلى مستوى القوة العسكرية التقليدية، على الإدارة الأميركية الجديدة، تعزيز اتفاقية الأمن المشترك مع كوريا الجنوبية كجزء من تعزيز الردع المتكامل. ويمكن للولايات المتحدة تحسين الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل حول شبه الجزيرة الكورية بحيث يصبح اعتراض الصواريخ الكورية الشمالية مبكرا أمرا ممكنا. كما أن المحور الثالث من الاتفاقية الأمنية الثلاثية بين الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا "أوكوس" تفتح الباب أمام احتمال التعاون مع كوريا الجنوبية واليابان في مجال التكنولوجيا لمواجهة تهديدات الصواريخ الفرط صوتية من جانب الصين وكوريا الشمالية وروسيا. ويرى المحلل الاستراتيجي ماكلوم ديفز أنه ومن موقع الردع القوي يمكن للولايات المتحدة ومن خلال تعظيم العلاقات الدبلوماسية مع الحلفاء والشركاء تقوية موقفها العسكري وتوجيه رسالة واضحة إلى كل من بكين وموسكو وبيونغ يانغ بأن التهديدات النووية غير مقبولة. فالاتصالات الدبلوماسية المحدودة مع بيونغ يانغ لن تكون لها مصداقية ولا فاعلية إذا لم تنطلق من قوة الردع الأميركية. في الوقت نفسه فإن مثل هذه الاتصالات يجب أن تدرك أيضا بأن كوريا الشمالية لن تقبل بأي نزع كامل وقابل للتحقق لسلاحها النووي. وعلى الولايات المتحدة التعايش مع كوريا الشمالية النووية. لكن الصبر الاستراتيجي انتظاراً لحدوث بعض التغيير من داخل كوريا الشمالية هو طريق نحو الفشل.
مشاركة :