في كل صباح يقصد متطوعون سودانيون أحد معسكرات الإيواء بمنطقة (كرري) بشمالي مدينة ام درمان من أجل تقديم برامج للدعم النفسي للأطفال المتأثرين بالحرب والنزوح. وتؤمن الناشطة هالة عمر، وهي متطوعة في مجال الصحة النفسية للطفل، بشعار لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) يقول "عندما يأتي الأطفال إلى أماكن التعلم واللعب الآمنة، فإنهم ينسون معاناة الحرب". ومنذ إندلاع الحرب في السودان اتخذت هالة من مساعدة الأطفال وتعزيز صحتهم النفسية مهنة رئيسية لها. وقالت هالة، في تصريح لوكالة أنباء ((شينخوا)) اليوم (الجمعة)، إنه منذ إندلاع الحرب عملت في كل مراكز الإيواء بمحلية كرري، هذه هي مهنتي الرئيسية، وأعتقد أن هذه مهنة إنسانية مهمة، خاصة وأن الأطفال هم الأكثر تأثرا بويلات الحرب. وأضافت "لدينا أكثر من 160 مركزا للإيواء في محلية كرري، وتضم آلاف الأطفال الذين تعرضوا لتجارب صعبة وعاشوا أهوال الحرب وشاهدوا فظائع لا تنسي". وأبانت أن البرامج الترفيهية التي تنظمها مع متطوعين آخرين تهدف إلى توفير أجواء من المرح للأطفال وتنشيط ذاكرتهم التعليمية، وتوفير بيئة صالحة للتنشئة وخلق روابط إيجابية بين الأطفال، وتقديم أنواع من الدعم النفسي للأطفال وعلاج الصدمات الناتجة عن الحرب. وتعتمد هالة علي أساليب عدة لتحقيق هدف الدعم النفسي للأطفال في مراكز الإيواء، وقالت "نعتمد علي عدة وسائل علمية أبرزها أنشطة الرسم واللعب والأنشطة البدنية وممارسة الهوايات المفضلة، وتنظيم رحلات وحفلات تنكرية، ومسرح العرائس والكتابة والتمثيل". ومن واقع تجربتها مع الأطفال، تري هالة أن أبرز تأثيرات الحرب علي الأطفال تتمثل في الصدمات الناتجة عن مقتل أحد أفراد الأسرة، أو رؤية مشاهد ذات صلة بالقتال، أو سماع أصوات إطلاق النار أو أصوات المدافع أو أصوات قصف الطائرات الحربية. وقالت "آلاف الأطفال يعانون من تأثيرات نفسية عميقة ناتجة عن هذه الصدمات، وتتمثل في الخوف والقلق والتوتر واضطرابات النوم والفزع والتبول اللاإرادي والسلوك العنيف". علاج نفسي متكامل لأطفال مراكز الإيواء وتشكل هالة ومتطوعون آخرون فريقا ضمن مبادرة باسم (شباب الخير) لتنفيذ منهج علاج نفسي متكامل لأطفال مراكز الإيواء بشمالي مدينة ام درمان. وقال شريف النور، وهو عضو فرقة أطفال الاذاعة والتلفزيون والمسرح، من أذرع مبادرة شباب الخير، "تقوم الفرقة بتنفيذ أنشطة مرتبطة بتعزيز الصحة النفسية للأطفال". وأضاف لـ((شينخوا)) "من خلال الرقص والغناء والتمثيل، نحاول نزع الخوف الكامن في عقول الاطفال بسبب أهوال الحرب وقسوة المشاهد التي شاهدوها والظروف التي مروا بها". ورأي مشرف مركز إيواء مدرسة الدوحة بمحلية كرري هاني عبد المجيد أهمية الأنشطة التي ينفذها المتطوعون في مجالات الدعم النفسي للأطفال وعلاج الصدمات. وقال عبد المجيد لـ((شينخوا)) "هذه البرامج مهمة للغاية ولها أثر نفسي جيد، وبفضل هؤلاء المتطوعين حدث تغير كبير في سلوكيات الأطفال بمركز الإيواء". وأضاف "كنا نلاحظ تأثر الأطفال نفسيا بالإقامة في دور للنازحين ومفارقة بيوتهم وانقطاعهم الطويل عن المدارس، ولكن بفضل البرامج الترفيهية والتعليمية التي ينفذها المتطوعون، فإننا نلاحظ أن نفسيات وسلوك الأطفال تتحسن باستمرار". احصائيات رسمية عن أعداد الأطفال النازحين بشمال ام درمان وفقا للمجلس القومي لرعاية الطفولة بولاية الخرطوم (حكومي) فأن حوالي 12 ألفا و 213 طفلا يقيمون في 167 مركزا للايواء بمحلية كرري، التي تخضع لسيطرة الجيش السوداني. وقالت أمين مجلس رعاية الطفولة بولاية الخرطوم مها أبكر "يعاني الأطفال في مراكز الإيواء بمحلية كرري، وعددهم نحو 12 ألفا و213 طفلا، من مخاطر ومشكلات نفسية". وأضافت مها أبكر لـ((شينخوا)) "يحتاج هؤلاء الأطفال للدعم النفسي، وتوفير أنشطة تعليمية لتنشيط ذاكرة الأطفال، إضافة إلى توفير الغذاء والمكملات الغذائية ". ولا تمتلك الحكومة السودانية أرقاما لأعداد الأطفال المتواجدين بمناطق سيطرة الدعم السريع بولاية الخرطوم وخاصة في مدينتي الخرطوم والخرطوم بحري. وقال الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الطفولة في السودان (حكومي) عبد القادر عبد الله "لا نمتلك أرقاما بأعداد الأطفال فى الخرطوم والخرطوم بحري". وأضاف عبد الله لـ((شينخوا)) "ولكن المؤكد أن الأطفال الذين مازالوا يتواجدون في مناطق سيطرة الدعم السريع يعانون بصورة أكبر، فهم بلا تعليم، وبلا صحة، وبلا مأوي آمن". ووفقا لإحصاءات أممية، يواجه السودان أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم بما يقرب من أربعة ملايين طفل. وتقول السلطات السودانية الرسمية إن نحو 8 ملايين طفل تأثروا بالحرب الدائرة في ولايتي الخرطوم والجزيرة وسنار وإقليمي كردفان ودارفور غربي السودان. ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) فأن الأطفال في جميع أنحاء السودان يتحملون الوطأة الأشد للنزاع الذي يمزق البلد، حسبما حذّرت المديرة التنفيذية لليونيسيف كاثرين راسل، بعد زيارة قامت بها أخيرا إلى مدينة بورتسودان. ويحتاج نحو 14 مليون طفل إلى المساعدات الإنسانية، كما أن جميع أطفال السودان تقريبا غير ملتحقين بالمدارس حاليا، وفقا ليونيسيف. وبينما لا تتوفر احصائيات رسمية عن عدد القتلي من الأطفال، فأن يونيسيف تقول إن أكثر من 3 آلاف و800 طفل، قُتل أو أُصيب منذ اندلاع القتال في أبريل 2023. كما حذرت اليونيسيف من أن حوالي 3.4 مليون طفل دون سن الخامسة معرضون لخطر الإصابة بالكوليرا وأمراض مميتة أخرى في السودان. ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023 حربا خلفت نحو 13 ألفا و 100 قتيل، حسب الأمم المتحدة، وتسببت في نزوح نحو 7.9 مليون شخص في السودان ولجوء نحو 2.1 مليون شخص إلى دول الجوار.
مشاركة :