ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية في المغرب بمعدلات قياسية نتيجة تنامي الطلب على السلع الغذائية خلال شهر رمضان المبارك، وتزامنه مع فترة العطلة الصيفية وعودة المغتربين، وهي فترة يزداد فيها الإقبال على الإنفاق والتسوق والسفر مقارنة ببقية الأشهر. وزادت أسعار معظم المنتجات الغذائية، فقفزت أسعار الأسماك 30 في المئة، والفواكه وبعض الخضار ومشتقات الألبان والعسل والحلويات والسكريات ما بين 15 و20 في المئة، إذ يتضاعف استهلاك هذه المواد في رمضان. وحذر «المركزي» من ارتفاع غير متوقع لمعدلات التضخم قد يدفع الأسعار إلى مزيد من الارتفاع بسبب زيادة الطلب والاستهلاك، مؤكداً في تقرير أول مس أن التضخم تجاوز 2.8 في المئة خلال النصف الأول من السنة مقارنة بتوقعات لم تتجاوز 2.1 في المئة نهاية السنة، لكن ارتفاع الأسعار لم يكن في صالح استقرار نسب التضخم التي اقتربت من ثلاثة في المئة. وساعد ارتفاع سعر صرف الدرهم أمام الدولار 1.25 في المئة الشهر الماضي في زيادة قيمة بعض السلع والخدمات وتحسن صرف الدرهم أمام معظم العملات الدولية باستثناء الين الياباني. واعتبر محللون أن الموسم الزراعي الجيد ووفرة المعروض من الفواكه والخضار ساهم في زيادة الطلب وبالتالي ارتفاع الأسعار، نتيجة تحسن القدرة الشرائية لفئات واسعة من سكان الأرياف، أي المزارعين، وعودة عشرات آلاف المهاجرين خصوصاً من دول الاتحاد الأوروبي الذين فوجئوا بأسعار مرتفعة جداً في بلد قريب من أوروبا لا يعيش أزمتها الاقتصادية الخانقة. ولكن جنون الأسعار أضر بفئات من الطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل التي وجدت نفسها مجبرة على مجاراة الأسعار، إذ يرتفع الإنفاق بمعدل النصف مقارنة بالأشهر الأخرى، كما ساعد بعض المهن الرمضانية نساء من أوساط فقيرة في التغلب نسبياً على ارتفاع الأسعار من خلال إنتاج حلويات وفطائر ومنتجات غذائية مطلوبة خلال الشهر المبارك. وأفاد تقرير للمندوبية السامية في التخطيط أمس بأن تزامن رمضان مع فصل الصيف أثر مباشرة على أسعار المواد الغذائية، وقد يزيد التضخم نحو 0.7 في المئة خلال الشهر الجاري. واعتبر أن أسعار المواد غير الغذائية ستبقى عند مستوياتها من دون دلالة إحصائية مهمة، بعكس بقية السلع التي قد ترتفع ستة في المئة في المتوسط، 2.2 في المئة منها نتيجة تأثير شهر رمضان. وستتأثر السياحة والسفر، باعتبارهما من القطاعات الإستراتجية في الاقتصاد المغربي، بمنافع الشهر المبارك وتزامنه مع فترة العطل وموسم الاستجمام، الذي بات سلوكاً عائلياً يُظهره التحسن في مستوى المعيشة وتبدل العادات، وحاجة العائلات إلى الترفيه والسفر. ويُنتظر أن تشهد السياحة المغربية ذروتها في آب (أغسطس) المقبل، مستفيدة من مناخ إقليمي قد يدفع بعض السياح الأوروبيين والعرب إلى تفضيل المدن والمنتجعات المغربية لأسباب تتعلق بالاستقرار السياسي على رغم ارتفاع الأسعار الخدمية. وُينظر إلى شهر رمضان على أنه فرصة لنقل جزء من فائض استهلاك المدن نحو القرى والأرياف، والذي يقدر بـ10 بلايين درهم (1.1 بليون دولار)، ما جعل جزءاً من النشاط التجاري في الشوارع وداخل الأزقة يتولاه نازحون من البوادي لتصريف منتجاتهم ثم العودة إلى الأرياف بعد انتهاء الشهر الكريم، في ظل تسامح السلطات، خوفاً من تداعيات الربيع العربي، إذ إن التآزر بين فئات المجتمع يعزز التضامن ويقوي الروابط وفرص الاستقرار والانتفاع المشترك.
مشاركة :