أدت التفجيرات التي شهدها لبنان في أجهزة اتصالات في 17 و18 سبتمبر الجاري إلى زيادة القلق وعدم الاستقرار في المنطقة باعتبارها تمثل تحديات كبيرة لأثرها على الأوضاع الأمنية وزيادة التوترات السياسية، وسوف تدفع حزب االله إلى تغيير استراتيجيته ليكون أكثر حرصا عند شراء واستيراد أجهزة الاتصالات في المستقبل. وأثارت التفجيرات المتزامنة لأجهزة اتصالات في لبنان تساؤلات حول استراتيجيات حزب الله للرد على هذا الهجوم التقني وما هى بدائل " البيجر والأيكوم " ؟ وكذلك حول كيفية انفجار هذه الأجهزة وما هى تداعيات هذه الانفجارات إقليميا؟ وكان قد قتل 37 شخصا و أصيب 2931 بجروح في موجتي التفجيرات في أجهزة اتصالات لاسلكي التي تتعلق بتلقي وإرسال الرسائل التي يستخدمها حزب الله في مناطق مختلفة في لبنان. كما برزت تساؤلات حول كيفية حصول التفجيرات وردود الفعل بشأنها على صعيد إعادة تقييم استراتيجيات الأمن السيبراني لدى الدول والشركات في المنطقة. مراسلو وكالة أنباء ((شينخوا)) في مكاتب مصر وغزة ولبنان توجهوا بعدد من الأسئلة لخبراء في تكنولوجيا الاتصالات حول واقع وتداعيات سلسلة تفجيرات أجهزة الاتصالات في لبنان والتي أعقبها إجراء السلطات في كل من العراق وإيران وتركيا مراجعات تتعلق بالتدابير والإجراءات لتأمين أجهزة الاتصالات والتدقيق باستيراد الأجهزة الإلكترونية . وقد أجمع الخبراء على أن التفجيرات تمثل تحديا كبيرا للمنطقة تجاه أمن الاتصالات وتتطلب استجابة جديدة منسقة على مستويات مختلفة، كما رأوا أن مجريات ماحصل ينبغي أن يؤدي إلى إعادة تقييم استراتيجيات الأمن لدى الدول والشركات وسط خشية من أثر كبير لتوظيف الاتصالات كسلاح مما يثير أيضا تساؤلات قانونية وأخلاقية باعتبار أن الأمر ينطوي على عدة مخاطر على حماية حقوق الإنسان. وحول كيفية انفجارالأجهزة وتداعيات الانفجارات إقليميا؟ قال الدكتور مراد أبو صبيح خبير الاتصالات في جامعة "بوليتكنك فلسطين" إن أجهزة "البيجر" تم التلاعب بها لزرع مواد متفجرة فيها ووضع دائرة الكترونية بكل جهاز تنتظر أمر تفجير عن بعد سواء من أجهزة اتصال أو طائرات مسيرة وغيرها من الوسائل". وأوضح أن موجات الراديو التي تتعامل معها الأجهزة تصل لمسافات بعيدة وأنه كان سهلا للجهة المنفذه إعطاء أوامر تقنية لها وتفعيلها مرة واحدة عبر رسالة واحدة لجميع الأجهزة الأخرى. ورأى أن أجهزة البيجر بسبب عدم ارتباطها بالإنترنت هي أقل عرضة للاختراق من الأجهزة الذكية لكنه كان من المفروض يكون لها حماية . -- هل تم اهتراض شحن اجهزة الاتصال ؟ قال الدكتور علي دربج الباحث والمحاضر الجامعي اللبناني إنه لم يستبعد أن تكون المخابرات الإسرائيلية المتخصصة في الصناعات التكنولوجية عملت على اعتراض شحنة أجهزة البيجر الموجهة لحزب الله وتعبئتها بمواد شديدة الانفجار وجرى تشغيلها بواسطة رسالة مخصصة لذلك. وأضاف أن البرمجيات الخبيثة أدخلت في أنظمة تشغيل الأجهزة لإنشاء آلية تفجير إلكترونية، بحيث عندما تتلقى الأجهزة إشارة أو نداء من رقم معين ، تنفجر المتفجرات. وحذر من أن كل ما يستعمل اليوم من أجهزة إلكترونية يشكل بنى تحتية حرجة قاتلة، وأن كل جهاز إلكتروني موصول بالإنترنت قد يصبح عرضة للتفجير، وهذا بدوره قد يؤدي إلى إحداث مخاطر كبيرة مستقبلا. - كيف وضعت المتفجرات في أجهزة الاتصالات ؟ رأى المهندس وليد جاد الرئيس السابق لغرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات باتحاد الصناعات في مصر أن إسرائيل استطاعت قبل أن تذهب الأجهزة إلى لبنان أن تضع بجانب بطاريات الأجهزة مادة متفجرة بسيطة صغيرة شديدة الانفجار. ووصف الانفجارات بأنها في منتهى الخطورة، لأنه هناك بطاريات في أجهزة إلكترونية كثيرة جدا يتم استخدامها وبالتالي فإن إمكانية وضع متفجرات في هذه الأجهزة بصورة أو بأخرى يبقي كل الناس معرضة للخطر. وشدد على وجوب شراء أي أجهزة من جهات مضمونة، مشيرا إلى أن "حزب الله" قام بشراء الأجهزة من مصادر ملتوية بسبب صعوبة الاستيراد والعقوبات المفروضة عليه. وقال المهندس زكريا عيسى مدير إحدى شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المصرية أن هناك احتمال أن تكون إسرائيل وضعت مواد متفجرة في أجهزة الاتصال قبل شحنها إلى لبنان. واعتبر ماحدث عملية استخباراتية جديدة أكبر من الاستنتاجات، مفسرا ارتفاع عدد المصابين بأن إسرائيل أرسلت رسائل على أجهزة البيجر، بحيث يقوم المستقبل بحمل الجهاز للإطلاع على الرسائل على أن يليه التفجير. وأشار أيمن فواز الخبير المحلف في الاتصالات والمعلوماتية لدى المحاكم اللبنانية إلى أنه وفق تقارير عدة بات واضحا أن تفجير أجهزة "البيجر" المستخدمة لإرسال واستقبال رسائل نصية قصيرة أو إشعارات قد تم بنتيجة التلاعب في تصنيع الأجهزة بزرع متفجرة وشريحة تفجيرعن بعد يتم تفعيلها بواسطة رسالة رقمية. وحول تفجير أجهزة (الأيكوم)، قال إن هذه الأجهزة تستخدم تقنيات مختلفة للاتصال عبر الراديو في الاتصالات طويلة المدى (HF) وقصيرة المدى (VHF,UHF) عبر الابراج، مشيرا إلى أن انفجارها تم بعملية معقدة تتطلب تحقيقات معمقة . يذكر أن السلطات اللبنانية كانت ذكرت في رسالة إلى مجلس الأمن أن تحقيقاتها أظهرت أن أجهزة الاتصال التي انفجرت هذا الأسبوع "تم تفخيخها قبل وصولها إلى لبنان" وأن "إسرائيل مسؤولة عن التخطيط للهجمات وتنفيذها". كما اتهم "حزب الله إسرائيل على لسان أمينه العام حسن نصر الله بارتكاب "جرائم حرب" ومحاولة قتل الآلاف بتفجير أجهزة اتصالات في لبنان، معلنا عن تشكيل لجان تحقيق فنية وأمنية وأن الملف مازال قيد المتابعة سواء من الشركة إلى التصنيع إلى النقل والإجراءات في لبنان إلى التوزيع. ما هى استراتيجيات حزب الله للرد على الهجوم التقني ؟ عبر الدكتور أبو صبيح عن اعتقاده بأن حزب الله سيعمد لتعلم الدرس وسيبدأ التعامل بحذر حتى مع الأجهزة الكهربائية المنزلية العادية. واعتبر أن التجربة الأليمة التي حدثت تقرع ناقوس الخطر لكل الحكومات وإدارات الاتصالات والتوريدات والاستيراد، وشدد على وجوب إجراء فحص عميق للأجهزة بواسطة تقنيات دقيقة للتأكد من سلامتها. ورأى المهندس وليد جاد أن الانفجارات سوف تدفع حزب االله إلى تغيير استراتيجيته ليكون أكثر حرصا عند شراء واستيراد أجهزة الاتصالات في المستقبل. وقال إن كل الأجهزة تحتاج إلى الحماية حتى لا يتم اختراقها، معبرا عن اعتقاده أن حزب الله سوف يستخدم في الفترة المقبلة أجهزة عادية مع تشفيرها لعدم حدوث مثل هذه التفجيرات. واعتبر الباحث والمحاضر دربج أن حماية أجهزة الاتصال تفرض تصنيعها محليا وأنه مادام الأمر متعذرا في لبنان لأسباب متعددة، فإن المطلوب هو تحصين الأمن السيبراني رغم أن نتائجه غير مضمونة أيضا. وقال إن حزب الله تخلى في هذه الفترة بشكل جذري عن كافة أجهزة الاتصال الإلكترونية وسحبها من التداول، وعاد إلى التواصل عبر الوسائل التقليدية القديمة. ورأى الخبير فواز أن البدائل المتاحة لأجهزة البيجر والأيكوم تتمثل بشبكة سلكية خاصة محمية وبأجهزة اتصالات عبر الأقمار الصناعية خصوصا وأن الأحداث كانت قد أظهرت مخاطر تتبع الهاتف الخلوي على أصحابها والذي أوقع خسائر كبيرة. -- هل هناك بدائل للبيجر والأيكوم ؟ قال المهندس زكرياعيسى إن التفجيرات سوف تدفع حزب الله إلى إعادة النظر في إجراءات كثيرة لديه خاصة تلك المتعلقة بشراء أجهزة الاستقبال والاتصالات والحماية الأمنية لتفادي الاختراق الأمني لأجهزته. وأشار إلى بدائل كثيرة لأجهزة البيجر والأيكوم منبها إلى أن فكرة تأمينها واختراقها صراع مستمر لن ينتهي، وأنه لتأمين هذه الأجهزة لابد من التشفير، لكنه يمكن أيضا فك التشفير لأن له درجات وتحتاج كل درجة إلى نوع معين من التأمين. يشار إلى أن حزب الله كان قد حظر على عناصره استخدام الهاتف الخلوي في الجنوب بعد اختراق إسرائيلي للاتصالا لات أدى إلى استهداف العديد منهم ، وكان الحزب قد أقام شبكة اتصالات سلكية بين مواقعه الأساسية في ضاحية بيروت الجنوبية وشرق وجنوب لبنان. ما هى إجراءات شركات الاتصالات وتكنولوجبا المعلومات الأمنية مستقبلا ردا على حادث لبنان؟ أكد الباحث دريج أن انفجار أجهزة الاتصال في لبنان ستكون له تداعيات اقتصادية ومالية على الشركات العالمية المصنعة لهذه الأجهزة. وتوقع أن يشهد سوق الأجهزة عبر الشركات المصنعة تنافسا على تصنيع أفضل عبر سد الثغرات الأمنية بعد تحديدها بدقة وإصلاحها لمنع عمليات خرق البيانات والحوادث الأمنية التي قد تؤثر على سمعة الشركات ومداخيلها. ورأى أن المطلوب من الشركات إجراء مسح ضوئي منتظم للثغرات الأمنية وتصحيحها قبل فوات الأوان، والتي من شأنها مساعدة الشركات على تحديد نقاط الضعف المحتملة. ولفت الخبير فواز إلى أن التحديات المختلفة تتطلب من الشركات استجابة واستراتيجيات جديدة تركز على سلاسل توريد آمنة وإقامة بنى اتصالات متينة، إضافة إلى استخدام بروتوكولات تشفير قوية وتدريب الكوادر البشرية وتأهيلها على سبل الحماية والكشف عن التهديدات بشكل مبكر وإجراء اختبارات دورية للأمان لضمان سلامة الأنظمة والتأكد من فعاليتها. ورأى أن تقليل المخاطر وتعزيز الأمان في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يتطلب التطوير وإجراءات يمكن أن تساهم بالاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة بينها استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. ولفت الدكتور أبو صبيح الى واقع مرحلة جديدة تستخدم فيها إسرائيل أدوات تتنافى مع القانون الدولي الإنساني حيث يحظر القانون الدولي استخدام الأشراك الخداعية في وسائل الحياة التي تترافق مع الأشخاص المدنيين. وفي هذا السياق أكد العميد الدكتورعلي عواد رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والإعلام في بيروت أنه وفق القانون الإنساني الدولي يعتبر "جريمة حرب" كل استهداف أجهزة موزعة على عناصر دون معرفة صفة ومكان وجود حامليها بشكل يلحق خسائر بالمدنيين ويطال مرافق مدنية. ولفت إلى أن ماحصل بتوظيف منتجات الاتصالات كسلاح يتطلب تطوير القانون الدولي الانساني بتشريعات إضافية تتناول استخدام الحرب الإلكترونية والروبوت والمسيرات بهدف تعزيز حماية المدنيين والمواقع المدنية والفئات المحمية بالقانون الدولي الانساني.■
مشاركة :