يجب أن يرى العراق الضوء في نهاية النفق. إنها العبارة الشهيرة المكررة منذ أن خضع العراق للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بعد الحماقة التي ارتكبها رئيس النظام السابق صدام حسين بدفعه الجيش العراقي إلى احتلال الكويت وإعلانه ضمها إليه ورفضه تدارك الأمر بالمبادرات العربية، غير مدرك العواقب الوخيمة التي ستقع على العراق دولة وشعباً. ديدن الديكتاتوريات ضيق الأفق والتكبر والفجور السياسي وحماقة القرارات. كلها عوامل اجتمعت على العراق فتحالف العالم، من شرقه إلى غربه، ليوقف هذا الديكتاتور الأهوج، لكن الثمن كان باهظاً على العراق كشعب ودولة. ورغم ألم الاحتلال وعواقبه على الشعب العراقي وكل الدماء التي سالت بسبب الخطط الأميركية ببث الروح الطائفية وإطلاق يد الميليشيات الإجرامية، إلا أن الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان، وهي إطاحة صدام ونظامه، كانت حلماً يتمنى تحقيقه كل عراقي من الشمال إلى الجنوب بمن في ذلك البعثيون الذين فتك بهم صدام بما فرضه عليهم من ضغوط يومية من خلال التدريبات والخفارات وتشكيلات جيش القدس وغيرها بشكل جعل مجرد التفكير في معارضته مستحيلاً، فزنازيين الأجهزة القمعية وأدوات الإعدام كانت مفخرة صدام وزبانيته. بهذا القهر والقمع والحصار الاقتصادي المفروض بموجب الفصل السامع انتهكت إنسانية المواطن العراقي الذي عانى القهر والجوع والمرض والعوز وانعدام الحقوق، ولم ير احد الضوء في نهاية النفق. وبعد سقوط النظام كانت الشبكة العنكبوتية من العقوبات المفروضة على العراق أصبحت أمراً واقعاً، ونشأت طبقة من موظفي الأمم المتحدة وبعض رجال الأعمال اعتاشت وكنزت ملايينها من جراء نظام العقوبات... وما زاد من سوء وضع العراق هو النبذ السياسي للعراق من المحيط العربي والدولي. عوامل تضافرت لتجعل العراق دولة لا أمل ولا مستقبل لها. وتجلى بوضوح أن لا ضوء في نهاية النفق... فالعراق عالق بشبكة العقوبات العنكبوتية التي لا يمكن فك خيوطها. بهذه الصورة القاتمة خارجياً تسلم وزير الخارجية هوشيار زيباري وزارته الأولى في مجلس الحكم الذي شكل في أعقاب الاحتلال الأميركي للعراق في سنة 2003 . أما داخلياً فواقع الأمر أن زيباري تسلم أطلال وزارة الخارجية، فمن بناية مدمرة إلى كادر ديبلوماسي فارغ بسبب قانون الاجتثاث الأميركي أو بسبب ترك العمل لأعداد كبيرة من الديبلوماسيين في البعثات العراقية وطلبهم اللجوء في الدول الأجنبية. ناهيك عن الوضع السياسي والأمني والداخلي والضغوط السياسية لتعيين ديبلوماسيين غير مهنيين بدرجات عالية. كانت البداية عسيرة وصعبة. فمن إعادة إعمار مبنى الخارجية إلى إعادة ترصين الكادر الديبلوماسي مع سعي حثيث لإخراج العراق من عزلته العربية والدولية وخرق الحواجز الكويتية لإعادة بناء العلاقات الديبلوماسية معها، وإعادة تنظيم فريق العراق التفاوضي والقانوني. بكل هذا الوضع المعقد لم تكن هذه المهمة الوحيدة لزيباري وفريقه، فالديبلوماسية العراقية اضطرت إلى التعامل مع الهجرة المليونية التي حدثت قبل سقوط النظام وبعده، الأمر الذي خلق مشاكل للجاليات العراقية وطلبات بالملايين، شكلت ضغوطاً هائلة على الديبلوماسية العراقية لم تتعرض لها أي بعثات في العالم. جذوة الأمل مشتعلة والرغبة في إخراج العراق من الفصل السابع وثابة لدى زيباري وفريقه الديبلوماسي الذي نجح أخيراً في أن يواجه وخلال عشر سنوات كل هذه التحديات ليقنع أعضاء مجلس الأمن مع الكويت بأن العراق نفذ التزاماته وأن ما تبقى منها سيضمن العراق تنفيذه وفقاً لاحكام الفصل السادس. هذا القرار المرقم 2107 هو صك اعتراف العالم بأن العراق كدولة عاد إلى المجتمع الدولي كامل الأهلية. دولة لا تشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين. دولة لا تخضع لعقوبات اقتصادية ولا سياسية. وفي الواقع إن هذا القرار سيكون له عوائد إيجابية على العراق دولة وشعباً، فالحركة الاقتصادية أصبحت بلا قيود دولية، وحركة رأس المال مفتوحة، وهذا أمر ليس بالهين ولو لم يكن مهماً لما خضع أصلاً لنظام العقوبات، ناهيك عن عودة حق العراق باستيراد المعدات العلمية والتكنولوجية وما يحتاجه من أسلحة استراتيجية لحماية حدوده وأجوائه الوطنية. لقد وضع زيباري الكرة في ملعب الحكومة العراقية التي عليها مسؤولية تضامنية بفرض التسوية السياسية الداخلية وبالتالي فرض الأمن وقهر الإرهاب بكل صوره وتفتيت الميليشيات وتقوية بنيان الدولة ومكافحة الفساد بشكل حقيقي وليس صورياً وتنفيذ مشاريع تنموية فعلية لحل مشكلة الخدمات المخزية، وبالتالي فتح الأفق أمام العراقيين كي يشعروا بأهمية الإنجاز. الضوء في آخر النفق. مع زيباري لم نعد نحتاج إلى هذا الضوء لأنه أخرج العراق من عتمة نفق العقوبات إلى شمس الحرية فعاد العراق حراً كما كان.
مشاركة :