يرى مراقبون أن تصعيد تل أبيب ضد حزب الله يستهدف أبعد من تأمين عودة سكان شمال إسرائيل إلى بلداتهم وإنما هو خيار إستراتيجي قد يهدف في نهاية المطاف إلى مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. بيروت - مع تصاعد الضربات الإسرائيلية في لبنان، تصبح مسألة معرفة نواياها الاسترتيجية أكثر إلحاحا. وقالت برونوين مادوكس المديرة والرئيسة التنفيذية للمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس) في تقرير نشره المعهد إن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اختارت تصعيد الصراع مع حزب الله على حدودها الشمالية، على الرغم من أنه لم يتم بعد التوصل إلى حل للحرب مع حركة حماس في قطاع غزة، وفي وقت يتصاعد فيه العنف في الضفة الغربية، بما في ذلك عنف المستوطنين الإسرائيليين. وتساءلت مادوكس عن سبب قيام إسرائيل بهذا، قائلة إن معظم التفسيرات تشير إلى أهداف تكتيكية، تتعامل مع التهديدات المنفردة عند ظهورها. ولا يوجد أي مؤشر على إستراتيجية أساسية لتأمين السلام. وبدلا من ذلك، يشعر بعض المحللين بالقلق من أن نوايا إسرائيل ربما تكون خلق ظروف لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية. ويبرر وزراء إسرائيليون الهجمات على لبنان بالرغبة الملحة في علاج الوضع في شمال إسرائيل. فقد نزح نحو 60 ألف إسرائيلي من منازلهم في المنطقة الحدودية بسبب الهجمات الصاروخية التي يشنها حزب الله، وكذلك بسبب مخاوفهم من التعرض لغزو وعمليات اختطاف مثل تلك التي حدثت في السابع من أكتوبر الماضي. بعض المحللين يشعرون بالقلق من أن نوايا إسرائيل ربما تكون خلق ظروف لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية وترى مادوكس أنه من الممكن أخذ هذا التفسير على محمل الجد إلى حد ما. فقد كان الضغط السياسي لحل مشكلة السكان النازحين من شمال إسرائيل يتصاعد على الصعيد الداخلي في إسرائيل، على الرغم من أن المشكلة أقل وضوحا بكثير لمن هم خارج البلاد. وتزداد حدة المشكلة مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لأحداث السابع من أكتوبر. ويقول وزراء إنه “غير مقبول” تماما بالنسبة لدولة أن تكون مجبرة على التنازل عن استخدام أراضيها بهذا الشكل. ومع ذلك من الصعب رؤية كيف يمكن أن يكون سكان شمال إسرائيل واثقين بما يكفي للعودة إلى منازلهم بدون عمل عسكري لإبعاد قوات حزب الله لمسافة كبيرة عن الحدود. وأشارت مادوكس إلى أن القادة العسكريين يتحدثون بثقة بشأن توغل سريع لإبعاد حزب الله، إلا أن مثل هذه الخطط لا تظل دائما محكمة، مثلما أظهرت تحركات إسرائيل السابقة في جنوب لبنان. ومن المرجح أن تكون الهجمات التي استهدفت أجهزة الاتصالات اللاسلكية في لبنان وسوريا في الأسبوع الماضي والتي أسفرت عن مقتل وإصابة قادة بارزين في حزب الله قد دمرت الكثير من اتصالات الحزب. إلا أن قوات الحزب لا تزال متمركزة في القرى بالقرب من الحدود وأي عملية عسكرية إسرائيلية في جنوب لبنان لن تكون عملية سهلة. كما أنه من غير المرجح أن تؤمن الضربات الصاروخية وحدها المنطقة وستستفز صواريخ حزب الله ردا عليها، كما يحدث الآن. وبعيدا عن الرغبة في تقليص قدرات حزب الله، يرى معلقون آخرون أن العوامل السياسية قصيرة المدى ربما تكون هي السبب وراء الهجمات، حيث لا يزال نتنياهو تحت الضغط من قضايا الفساد في المحاكم. وتعد حالة الصراع المستمر ملائمة بالنسبة له، حيث تسمح له بالاستمرار في السلطة وإبعاد المطالبات بأن يدلي بشهادته. من الصعب رؤية كيف يمكن أن يكون سكان شمال إسرائيل واثقين بما يكفي للعودة إلى منازلهم بدون عمل عسكري لإبعاد قوات حزب الله لمسافة كبيرة عن الحدود كما أن الشعور بوجود أعداء من جميع الجهات، يمنح الأعضاء الأكثر تطرفا في حكومته – وخاصة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير- غطاء للمضي قدما في توسيع المستوطنات والطرق في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية. ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، وافقت الحكومة الإسرائيلية على توسيع سريع لتلك المستوطنات، وهي مستوطنات غير قانونية وفقا للقانون الدولي. ووافقت الحكومة على خمس مستوطنات جديدة، بينما تم إنشاء أكثر من 25 بؤرة استيطانية جديدة، وفقا لمجموعة “مراقبة المستوطنات” التابعة لمنظمة “السلام الآن” وهي منظمة إسرائيلية غير حكومية. وسمح سموتريتش بتخصيص تمويل عام لـ70 بؤرة استيطانية غير قانونية وتوصيل المياه والكهرباء إليها وتمهيد الطرق المؤدية إليها. ويوم الأحد الماضي، وخلال مناقشة مع تشاتام هاوس في مؤتمر حزب العمال، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إن المملكة المتحدة تجري محادثات مع الاتحاد الأوروبي بشأن إمكانية فرض عقوبات على سموتريتش وبن غفير. ورأت مادوكس أن هذه الخطوة ستكون مثيرة للجدل بالنسبة لبريطانيا والاتحاد الأوروبي، الداعمين لإسرائيل، لأن يفرضوا عقوبات على وزيرين في حكومة منتخبة ديمقراطيا. إلا أنهم يشعرون بالقلق من أن إسرائيل تستغل الحرب في غزة والآن ضد حزب الله لصرف الانتباه الدولي عن توغلاتها في الضفة الغربية. من خلال توسيع الصراع، لن تتمكن إسرائيل من الوصول إلى الجائزة الدبلوماسية التي لا تزال مطروحة أمامها، وهي تطبيع العلاقات مع السعودية وأشارت مادوكس إلى أنه ربما تكون هناك خطة استراتيجية أوسع نطاقا وراء هجمات إسرائيل الجديدة، وهي التحرك بشكل مباشر ضد إيران، قائدة ما يسمى بـ”محور المقاومة”، والذي يضم حزب الله وحماس والحوثيين في اليمن. ومنذ قيام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بسحب الولايات المتحدة من “خطة العمل الشاملة المشتركة”، وهو الاتفاق الذي وافقت بموجبه طهران على تقييد برنامجها النووي، جعلت إيران من نفسها دولة على عتبة تطوير أسلحة نووية. وقد ناشدت إسرائيل الإدارات الأميركية لفترة طويلة لشن هجمات ضد المنشآت النووية الإيرانية أو دعم هجوم إسرائيلي عليها، إلا أن رد واشنطن كان دائما بالرفض. ويوم الأحد الماضي، وصف الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إيران بأنها “إمبراطورية شر” وقال في حديث مع قناة “سكاي” التلفزيونية إن القوات الإسرائيلية سوف “تزيل أي تهديدات وجودية لدولة إسرائيل”. واعتبرت مادوكس أن هذا التصريح من هرتسوغ، وهو شخصية معتدلة وليس مؤيدا كبيرا لنتنياهو، يعد حديثا واضحا بشكل لافت. وأشارت إلى أنه بالنسبة للدول التي تعمل على تجنب اندلاع حرب إقليمية، يكمن الخوف في أن حكومة إسرائيل ربما تستغل الهجمات على لبنان كوسيلة لخلق خيار شن هجوم مستقبلي على منشآت إيران النووية. ومن خلال القضاء على اتصالات حزب الله بتفجير أجهزة “البيجر”، أضعفت إسرائيل تماسك الحزب كقوة قتالية وربما تختار إضعاف الحزب بشكل أكبر من خلال هجوم داخل لبنان أو بشكل آخر. وربما تأمل إسرائيل في أنه من خلال تحييد حزب الله بشكل كاف في الأشهر المقبلة، تستطع التحرك ضد إيران دون أن تشعر بالقلق بشأن الحدود الشمالية. ربما تكون هناك خطة إستراتيجية أوسع نطاقا وراء هجمات إسرائيل الجديدة، وهي التحرك بشكل مباشر ضد إيران ربما تكون هناك خطة إستراتيجية أوسع نطاقا وراء هجمات إسرائيل الجديدة، وهي التحرك بشكل مباشر ضد إيران ويشعر المحللون بالقلق من أن تقرر إسرائيل شن ضربة بغض النظر عن نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية، على أمل الحصول على دعم من المرشح الجمهوري دونالد ترامب حال فوزه بالرئاسة ومع الاستعداد لتقبل النقد من إدارة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس حال فوزها، إذا كان هذا ضروريا. إلا أن هذه الإستراتيجية ستكون خطيرة للغاية، حيث أن تصعيد الصراع إلى الشمال أو الشرق لن يمنح إسرائيل حلا للصراع في غزة. وقالت مادوكس إن المحادثات مع حماس بشأن اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن لا تمضي بشكل جيد، وفقا لمسؤولين غربيين. وقد أضاف كل طرف شروطا جديدة: وترغب إسرائيل في الاحتفاظ بالسيطرة على “ممر فيلادلفيا” على الحدود بين غزة ومصر، بينما ترغب حماس في إفراج إسرائيل عن المزيد من الأسرى من السجون الإسرائيلية. واختتمت مادوكس تحليلها بالقول إنه بدون وقف إطلاق النار ثم الاتفاق على مسار لإقامة دولة فلسطينية، تخاطر إسرائيل بخسارة المزيد من الدعم الدولي. وعلاوة على ذلك، فإنه من خلال توسيع الصراع، لن تتمكن إسرائيل من الوصول إلى الجائزة الدبلوماسية التي لا تزال مطروحة أمامها، وهي تطبيع العلاقات مع السعودية، ومن خلال ذلك، المساعدة من جيرانها في احتواء التهديد الإيراني.
مشاركة :