الأمية: من الأخطاء الشائعة والسائدة أن الأمية هي عدم معرفة القراءة والكتابة، وهذا وهم عظيم وخطأ جسيم؛ لأن الله عز وجل وصف إبراهيم عليه السلام وقال جل شأنه: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً)، بمعنى أن هذا النبي قدوة للناس يحمل من الخير الكثير الكثير ما يعادل ما تحمله أمة من قيم وفضائل وأخلاق، وما يؤكد هذا قوله جل شأنه في إبراهيم عليه السلام أيضاً: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)، والحلم مرحلة أعلى من العلم؛ لأن الحلم كله خير، أما العلم فهو خير كثير، لكنه أيضاً قد يحوي غير الخير، وأي أمة في هذا الكون لا بد أنها تحمل قيماً وأخلاقاً مجيدة لكي تحيا وتستمر على مدى عشرات القرون؛ لذلك لا بد من وجود لغة مكتوبة وتقرأ بأحرف محددة، ولا بد للأمة من تقويم تعتدّ به، وتسير عليه، أما الشعب فقد لا يكون له لغة مكتوبة وتقرأ، وليس لديه حرف مكتوب، وقد لا يكون لديه تقويم، والشعب له لغة محكية يتحدثونها، وعلى سبيل المثال، هناك أمة العرب والروم والصين والهند والفرس... وهذه الأمم بها من الخير الكثير الذي استفادت منه البشرية وعمّ على الآخرين، قد يقل أو يكثر، وجميع هذه الأمم لها لغة تكتب وتقرأ وحرف وتقويم، حتى إنه عندما نزل الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الغار، أتاه جبريل وطلب منه أن يقرأ فقال الرسول: (ما أنا بقارئ) ولم يقل أنا أمي، وهذا هو الصحيح، فعدم إجادة القراءة والكتابة شيء والأمية شيء آخر، كل منهما في وادٍ مختلف، وكذلك الأم لأبنائها بها خير كثير لهم قد يصل إلى حد إدخالهم الجنة. الجاهلية: ذهب مفهوم الجاهلية مذهباً خاطئاً، كأن الجاهلية ضد العلم، والجاهلية ليست كذلك؛ بل هي مصطلح اجتماعي فقهي، فكل إنسان ولاؤه لغير الله والرسول في مفهوم أمة العرب والإسلام هو جاهلي، وهكذا أصبح مفهوم الجاهلية بعد ظهور الإسلام، والعرب يعرفون هذا المعنى في الجاهلية، ويذكرونه، والدليل قول العرب: ومَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّة إِنْ غَوَتْ ... غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّة أَرْشُدِ وهناك قول آخر لأحد جهابذة الأدب في معلقته: وَلَستُ بِحَلّالِ التِّلاعِ مَخافَةً ... وَلَكِنْ مَتـــــى يَستَرفِدِ القَومُ أَرفِدِ كما أن قول عمر بن كلثوم: أَلاَ لاَ يَجْهـــَلَـنَّ أَحَـــــدٌ عَلَيْنــــَـا ... فَنَجــْهَـلَ فَــــوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَـا وقوله عليه أفضل الصلاة والسلام، وهو صفو الكلام ومنتهاه: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية). فترى عزيزي القارئ أن هذا المصطلح يعني الضلال وعدم اتباع الهداية وهكذا أُخرج عن سياقه الحقيقي، ووظّف توظيفاً في مكان ليس له، فإليك هذا المثال، لنفترض أن هناك رجلاً من غزية، كان جاهلياً في الصباح، وعند الظهيرة هداه الله، وعمّر قلبه بالإيمان، ونطق الشهادة، فأصبح مسلماً... السؤال ما الذي تغيّر في هذا الرجل غير الولاء بدلاً من أن يكون لغزية، أصبح لله والرسول؟ وهل هذه الفترة من الصباح إلى الظهيرة تغيّر شيء في مداركه وعلمه ومعارفه؟ قطعاً لا؛ ولكن هناك شيئاً ما حصل في إيمان هذا الرجل وقناعاته، فكان على طريق، وانتقل إلى طريق آخر قويم، وهو الولاء لله واتباع نبيه، عليه أفضل الصلاة والسلام، وهذا عقد أبدي مدى الحياة، ولا يجوز التراجع عنه.. الجاهلية ضد الحلم. الحروب الصليبية: إن هذا المصطلح أو العنوان أطلقته الكنيسة وملوك أوروبا الذين شاركوا بتلك الحملة عندما كانت هناك حملة الفرنجة على بيت المقدس، وأطلقوا مسمى الحروب الصليبية كي يكسبوا تعاطف وولاء المسيحيين العرب، فاختاروا هذا المصطلح ليشقوا الصف، علماً أن هؤلاء الساكنين في أقطار بلاد الشام والعراق ومصر وسائر الدول العربية هم عرب، وجزء أساس من هذه الأمة، وكان ذلك في عهود قديمة، وعهد الإسلام، وقد تعاهد واتفق معهم الخليفة عمر رضي الله عنه، وهناك العهدة العمرية الممنوحة لهم من ذلك الرجل العظيم، فيجب علينا احترام هذه العهدة والحفاظ عليها ولا يوجد أي فرق بيننا وبينهم لا في العروبة ولا في اللغة ولا في الموطن سوى الديانة، علماً أنهم خلال حروب الفرنجة كان ولاؤهم عربياً، وقاتلوا مع العرب المسلمين ضد الفرنجة، كما قاتلوا الروم سابقاً مع خالد بن الوليد، فجهالة منا أن نقتفي أثر الغزاة القادمين إلينا بكل شرهم، ونتبع قولهم، ونقوم نحن بتسميتها بالحروب الصليبية؛ لأننا تعودنا أن نقلدهم، ونأخذ منهم كل شيء أرادوه لنا، وحتى الأشياء التي تضر بنا وتؤثر علينا، والأصل أن لا نسميها الحروب الصليبية، والذين حاربوهم وقاتلوهم وأشهروا السيوف العواري في وجوههم كانوا يسمونها حروب الفرنجة.. فأما اليوم نحن من يسميها بالحروب الصليبية؛ لأننا نردد ونقول كل ما يريده أعداؤنا منا أن نقوله، فنقول كما شاء الأعداء ليس كما شاء أوائلنا.. قال عليه الصلاة والسلام: (حتَّى لو دخلوا جحرَ..)، وبهذا علينا أن نسمي الأشياء بأسمائها، كما سميت بأسمائها من قبل أولئك الرجال الذين قاموا بالتصدي للفرنجة. العلمانية: مصطلح كنسي ظهر في أوروبا في بداية عصر النهضة، وكان هو النهضة عندما أراد بعض العلماء الأوروبيين الخروج على الكنيسة وعزلها عن الدولة وعن العلم وتحجيم الكنيسة من أجل الاكتفاء بالعلم، وهو البديل الذي سوف يطور حياتهم ومجتمعاتهم؛ ولذلك حصل هذا الصدام، وأطلقوا هذا المصطلح، وأعدم الكثير من علماء أوروبا بأمر الكنيسة وأحدهم العالم (غاليلو) الذي قال: إن الأرض تدور، واتهم بالزندقة، وكانت الكنيسة تمثل الرب في الأرض وتتحكم في كل أجزاء الحياة، وكان يقال: مال قيصر لقيصر ومال الله لله، وهم من يمثل الله في الأرض (رجال الكنيسة)، علماً كانت الكنيسة أكثر ثراءً من دول أوروبا، ويقدم لها الكثير، وكان رجل الكنيسة الأول بمنزلة ينافس قياصرة وملوك أوروبا، وهذا المصطلح لا علاقة لنا به لا من بعيد ولا من قريب، ولا يعنينا بشيء، ولم يكن هناك خلاف عبر تاريخ الإسلام بين العلم والدين؛ بل على العكس كل الاتفاق والانسجام والوئام هو ما بين الدين الإسلامي والعلم، وتحث نصوص القرآن الكريم على العلم والتعلم والتفكر والتدبر والتأمل في شتى مجالات الحياة، فمن أين جاءت لنا العلمانية نحن المسلمين؟ ومن نقلها لنا، وأصبح يتهم بعضنا بعضاً بها، وكأننا في بداية عصر النهضة الأوروبية، ولسنا أتباع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، بل نقتبس حتى أخطاء عدونا وننقلها إلينا، ونتعامل بها بجهل مطبق وعدم دراية، وننقسم عليها، ونختلف عليها، علماً أننا بعيدون عنه كل البعد، والكنائس الشرقية الموجودة في بلاد العرب لا علاقة لها بهذا الأمر لا من بعيد ولا من قريب، هذا نحن وهذا واقعنا، والله المعين. المستشار/ أحمد باشا الجربا
مشاركة :