الأيقونات الأدبية الصامتة | واسيني الأعرج

  • 5/5/2016
  • 00:00
  • 38
  • 0
  • 0
news-picture

الأيقونة الصامتة في نص من النصوص، هي الشخصية التي تعبر أمامنا دون أن نعيرها اهتماما لشدة بساطتها، مع أن بنية الرواية العميقة تمنحها دورًا يستحق التأمل. هناك بعض الشخصيات الأدبية من شدة حضورها في ثقافتنا وقراءاتنا تتحول إلى أيقونات حتى ولو كانت وهمية، أي لا توجد إلا في مخيالنا وفي دائرة الحقل الأدبي. وهناك أيضا شخصيات من شدة صمتها في النصوص أو الفنون التشكيلية تتحول إلى حالة من التساؤلات قبل أن تستقر وتتحول إلى نموذج للرفض. كان زيدان وهو بطل رواية اللاز للطاهر وطار، صامتًا بعد ذبح والده زيدان أمامه، ويكاد حضوره ينطفئ في الرواية، لكن الذي بقي في الذاكرة هو اللاز الصامت والمرتبك والحامل لأسئلة كثيرة ومعقدة، وليس والده زيدان الذي احتل الرواية بكاملها. شخصيتا شهرزاد ودنيازاد في ألف ليلة وليلة لم تخرجا عن هذا النسق. تبدو مثلا دنيازاد شخصية باهتة في نص ألف ليلة وليلة أمام سلطان أختها شهرزاد، وتهديدات شهريار وصرامته. ماذا قالت المرأتان وماذا أخفتا في الأحاديث السرية الافتراضية؟ شهرزاد معروفة ولا تحتاج لأي تأويل ضاف. كان عليها أن تقنع شهريار بأنه على حق وأن الخيانات التي يمارسها الرعاع ضده تتقصد تقويض سلطانه. حكت له ما اشتهى سماعه. أعطته رضى عن الذات كان في حاجة ماسة إليه بعد أن اهتز عرشه بسبب خيانة زوجية قاسية. ولهذا لم تخل ليلة من الليالي من خيانة زوجية عملا بمرض شهريار الذي اقتنع بذلك وأصبح يصفي كل من يناقش رؤيته لأنه هو الأبقى والأرقى. أختها دنيازاد كانت شيئًا آخر. يختلف في قناعاته ومشروعه. فقد راهنت هذه الأخيرة في البداية على الصمت، إذ لا قوة أبلغ من ذلك أمام الطغيان. لكن تحتاج دنيازاد التي سألت أختها طوال الليالي وهي تحمل تحت إبطها الكفن: وماذا بعد؟ إلى فضاء يسمع سرها الذي أصبح رهانا، وقوله مسألة حيوية. كأن أختها شهرزاد لم تقل ما كان يجب قوله، وكأن الثلاث سنوات من الحكي لم تكن كافية. لأنها في لحظة ما شعرت بأن ما كانت أختها تُخفيه كبير وعظيم ومحزن وربما مضاد للملك وراحته. دنيازاد هي المالك للحقيقة القوية التي تهمنا اليوم بقوة لأنها صوت العصر. العصر الذي ظل صامتا ومحروما من الكلام قبل أن يشعل حرائقه. هي قوة الرفض الصامت الذي يقرأ التاريخ كما هو، لا كما يشتهي شهريار سماعه. شهرزاد بقيت حية كوجود فيزيقي لأنها اندرجت ضمن الرؤية العامة، رؤية الهيمنة والسلطان ولهذا عاشت حتى ماتت، وليس مهمًا أن نعرف كيف ماتت، وما هو مآل الذكور الثلاثة الذين أنجبتهم وفاجأت بهم شهريار، في نهاية الحكاية، ليغفر لها وكأنها ارتكبت ذنبًا سوى ذنب وجودها كامرأة. وعلى العكس من ذلك، فقد اندرجت دنيازاد ضمن سياق الأيقونة الصامتة المعبرة عن الرفض. لهذا بقيت خارج اللعبة كلها، فكان مصيرها الإهمال والتلاشي أدبيًّا. لكن التاريخ لا يُهمل شيئا في النهاية. أو على الأقل لا يتنكَّر لجوهر الحقيقة. ها هي تستعاد اليوم دنيازاد ليس فقط كوجه أدبي، ولكن أيضا كأيقونة حية ومضادة متخطية للنسيان وعصور الظلام لتُنير أملًا بالتغيير نام طويلًا فينا.

مشاركة :