نوف الودعاني جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إن المتأمل في حال طلابنا اليوم، ووضع مؤسساتنا التعليمية، يستطيع أن يرى ويلمس أمرين في غاية الخطورة: أولاً: الدافعية المفقودة لدى أبنائنا الطلبة تجاه التعليم. ثانياً: افتقاد بيئاتنا التعليمية إلى الجاذبية. ما يجعل كثيراً منا يتساءلون: لماذا أصبح طلابنا ينفرون من التعليم في مدارسنا؟ أسباب هذا النفور كثيرة ومتنوعة، ما يستدعي وبصورة عاجلة وقوف التربويين عليها لدراستها وتحليلها، ومن ثم الخروج بحلول علاجية مناسبة، يؤدي تطبيقها إلى جعل التعليم أكثر متعة وفاعلية داخل مؤسساتنا. وبرأيي، أن من أبرز تلك الأسباب التي أدت إلى نفور الطلاب من التعليم، هي طرق التدريس المطبَّقة في مدارسنا، فمازالت تلك الطرق ومع الأسف، تعد طرقاً تقليدية قديمة، تعتمد بالدرجة الأولى على الحفظ والتلقين والترديد، وبعيدة كل البعد عن التحفيز والحوار والتفكير وإطلاق العنان لفكر الطالب في أن يبدع ويبتكر. إذن كيف نجعل من تعليمنا تعليماً جاذباً ومثيراً؟ في البداية يجب علينا أن نعترف بأنه رغم كل الجهود التي بذلتها الدولة، والميزانيات الضخمة التي أُنفقت على التعليم إلا أن مؤسسات التعليم في بلادنا مازالت غير قادرة على خلق الرغبة الحقيقية لدى الطالب في التعلم، لذا لابد من توفير كل العوامل والإمكانات التي تساعد تلك المؤسسات على انتظام العملية التعليمية فيها بالشكل الصحيح والمثالي، مثل: المبنى المتكامل العصري، الذي يضم جميع العوامل التي تجذب الطلبة من احتياجات، وتجهيزات تعليمية وتربوية لازمة وحديثة، بالإضافة إلى توفير جميع سبل الراحة النفسية والبدنية للطلاب والعاملين في تلك المؤسسات، مثل: الحدائق البسيطة، والملاعب الواسعة، والمختبرات الحديثة، وغيرها. أما بالنسبة إلى المناهج الدراسية، فيجب منحها وقتاً كافياً، واهتماماً كبيراً عند إعدادها بحيث يركز محتواها على تنمية المهارات العقلية العليا لدى الطالب، مثل: مهارات التفكير الناقد، ومهارات التفكير الإبداعي، مع الحرص كل الحرص على أن تلبي تلك المقررات حاجات الطالب العقلية والنفسية والجسدية، أما بالنسبة إلى تطوير المناهج، فيفترض أن يتم تطويرها بشكل مستمر ودوري حتى تتوافق مع متطلبات العصر الحديثة، كما ينبغي تنويع أساليب وطرق التدريس في مدارسنا، فالتوجه نحو التعليم لا يكون فقط من خلال المناهج المقررة، بل أيضاً من خلال الأنشطة المصاحبة للعملية التعليمية، مثل: التعلم الميداني، الرحلات العلمية، المشاركات الرياضية، والأنشطة الترفيهية، بالإضافة إلى ضرورة تفعيل التقنية الحديثة في عملية التعليم والتعلم، لأن ذلك سيؤدي بكل تأكيد إلى استثارة دافعية الطلاب نحو التعلم ما سينمِّي حب العلم والمعرفة في نفوسهم. ولا ننسى تلك المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق المعلم في جذب طلابه إلى التعليم، فالمعلم المؤهل الذي يعتبر القدوة الحسنة «في المظهر والعمل» لطلابه، هو مَن يستطيع أن يشد انتباههم إلى المادة العلمية بلا ملل ولا تذمُّر، حيث يسعى بأسلوبه المميز إلى خلق جو من الإثارة والتفاعل داخل حجرة الدراسة، فعملية التعلم داخل الصف يجب أن تكون عملية تشاركية خالية من طابع الجفاف والروتين في الأداء وذلك عن طريق مساهمة كل من المعلمين والطلبة فيها، فيكون دور المعلم خلال الحصة الدراسية هو دور المرشد والموجه، وليس دور المصدر والملقِّن للمعلومات، وهذا يستدعي تأهيل معلمينا وتسليحهم بطرق التدريس والتعليم الحديثة والجاذبة مع الحرص على تطوير أدائهم من خلال الدورات التدريبية المستمرة، كما أن للأسرة دوراً كبيراً في غرس أهمية التعلم في نفوس وعقول أبنائها ما سيكون له الأثر الأكبر في حياتهم التعليمية، ذلك الأثر الذي سيجعل الطالب ينظر إلى مدرسته بصفتها مؤسسة اجتماعية وتعليمية وتربوية وترفيهية في وقت واحد. ولقد جاء مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم العام شاملاً كل تلك الجوانب المؤثرة في العملية التعليمية: «البيئة التعليمية، المنهج، المعلم، والأنشطة غير الصفية»، وهي جوانب لا يمكن الفصل بينها إن كنا نريد تطويراً حقيقياً وعلمياً لمؤسساتنا، لذا علينا أن نعي أن هذا التطوير لن يتحقق إلا من خلال تطوير نظم التعليم لدينا، والتأسيس لما يعرف بـ «المدرسة الحديثة» بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى وأهداف ورؤى وتجهيزات ومناخ فاعل. ختاماً: نستطيع أن نؤكد أن نجاح أي تعليم يتوقف بعد توفيق الله سبحانه على البيئة التعليمية التي يحدث فيها ذلك التعليم، لأنه متى ما توافرت جميع الإمكانات البشرية والمادية في مؤسساتنا التعليمية بالشكل وبالمواصفات الحديثة التي تتوافق مع رغبات أبنائنا ومتطلبات عصرنا، فإن تلك المؤسسات وبإذن الله تعالى ستكون بيئات تعليمية جاذبة لطلابنا.
مشاركة :