يواجه اللبنانيون أياما عصيبة، مع توجه إسرائيل لتوسيع نطاق عملياتها البرية، في جنوب البلاد، وسط صعوبة للتكهن بمآلاتها، في ظل اشتباكات عنيفة بين القوات الإسرائيلية المتقدمة ومقاتلي حزب الله. بيروت - دخلت العملية الإسرائيلية ضد حزب الله طورا جديدا، بتعزيز الجيش الإسرائيلي لوجوده العسكري في جنوب لبنان، الأربعاء، عبر الدفع بوحدات مشاة ومدرعات من الفرقة 36 للانضمام إلى العمليات البرية هناك. ويشي التحرك بأن العملية الإسرائيلية في لبنان لن تكون محدودة الأهداف ولن تقتصر فقط على دفع مقاتلي حزب الله إلى التراجع كيلومترات إلى الوراء، بل القضاء على بنيته التحتية بالكامل في المنطقة، بما يضمن عودة سكان شمال إسرائيل. وجاءت الخطوة بعد يوم من تعرض إسرائيل لهجوم صاروخي غير مسبوق من إيران، مما أثار مخاوف من صراع أوسع نطاقا في منطقة الشرق الأوسط المنتجة للنفط. وقالت إيران الأربعاء إن هجومها على إسرائيل انتهى ما لم تحدث استفزازات أخرى، في حين توعدت إسرائيل والولايات المتحدة بالرد على هجوم طهران. ويرى مراقبون أن شن إسرائيل لعملية برية في جنوب لبنان، يؤكد بأن قرارا إسرائيليا اتخذ بالمضي قدما لـ”نزع مخالب” حزب الله، لكن الأمر لا يخلو من أثمان، لاسيما وأن مقاتلي الحزب اللبناني الموالي لإيران، يتنقلون عبر شبكة كبيرة من الأنفاق ما يسمح لهم بتوجيه ضربات قاتلة للقوات الإسرائيلية المتقدمة عبر نصب كمائن. وأعلن الجيش الإسرائيلي الأربعاء ارتفاع حصيلة خسائره إلى ثمانية قتلى، بينهم قائد مجموعة، في المعارك التي يخوضها في جنوب لبنان. من جهته كشف حزب الله أنه دمّر ثلاث دبابات ميركافا إسرائيلية بصواريخ موجهة خلال تقدمها إلى جنوب لبنان، في إطار اشتباكات مع قوات اسرائيلية منذ الصباح بعد محاولات تسلل إلى الأراضي اللبنانية. وقال الحزب في بيان “قام مجاهدو المقاومة الإسلامية بِتدمير ثلاث دبابات ميركافا بِصواريخ موجهة أثناء تقدمها إلى بلدة مارون الراس”، حيث أعلن في وقت سابق الأربعاء أنه يخوض اشتباكات مع قوات إسرائيلية متسللة. ولفت مدير العلاقات الإعلامية في حزب الله محمد عفيف الأربعاء إلى أن الحزب “في الجولة الأولى فقط” وإن لديه ما يكفي من المقاتلين والأسلحة والذخيرة لصد إسرائيل. وكان الجيش الإسرائيلي أوضح أن العملية البرية تهدف إلى حد كبير إلى تدمير أنفاق وبنية تحتية أخرى على الحدود وأنه ليست هناك خطط لعملية أوسع تستهدف بيروت أو مدنا كبرى في جنوب لبنان، في ما يرى متابعون أن الأمور قد تتطور بحسب ما سيجري على الميدان. وأصدر الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء جديدة لنحو 20 بلدة على الحدود الجنوبية للبنان، مع توجيه السكان إلى الذهاب باتجاه شمال نهر الأولي الذي يجري من الشرق إلى الغرب على بعد نحو 60 كيلومترا إلى الشمال من الحدود الإسرائيلية، في ما تحولت الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل الحزب، إلى مدينة “أشباح”. ◙ قرار إسرائيل بالمضي قدما لـ"نزع مخالب" حزب الله، لكن الأمر لا يخلو من أثمان وهو ما يظهر في الخسائر التي تكبدتها وبدت الحركة في شوارع الضاحية المكتظة عادة بالسكان والمارة، شبه معدومة، بعد ليلة من القصف الجوي الكثيف، إلا من عدد من شبان على دراجات نارية وبعض السكان جاؤوا يتفقدون منازلهم ويأخذون ما أمكن من حاجيات، مستغلّين توقّف الغارات نسبيا في الصباح. ويقول محمّد شعيتو (31 عاما)، وهو من بين قلة من السكان ما زالت تلازم منازلها، من الشياح، “خلال الليل، اهتزّت بنا الأرض.. وأضاءت السماء” من الغارات. ويضيف الرجل الذي يعمل سائقا “تحوّل الحيّ الى ما يشبه مدينة أشباح”، مشيرا إلى أنه أرسل عائلته المؤلفة من والديه وشقيقته مع أولادها النازحين من الجنوب إلى منطقة أكثر أمانا. ويروي شعيتو أنه يحاول خلال ساعات النهار، الاطمئنان على من بقي من جيرانه من كبار السن. ويستذكر الحياة التي كانت تدبّ في المنطقة منذ أسابيع. “كان الحي يعجّ بالناس، كنا نجلس في المقهى وفي الشارع، يلعب المسنون الطاولة، وصاحب متجر الخضار ينادي”. أما الآن، فكلّ شيء “مغلق، الدكاكين والمطاعم أوصدت أبوابها، أخرج من الضاحية لأشتري المواد الغذائية، حتى الصيدليات مغلقة”. وعاد عناصر من الجيش اللبناني صباح الأربعاء إلى نقاط عسكرية عند مداخل الضاحية الجنوبية كانت أخليت الجمعة حين قتلت إسرائيل بسلسلة غارات جوية مدمّرة الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله وآخرين. وفرّ الآلاف من سكّان الضاحية منذ ذلك اليوم، منهم من لجأ إلى مراكز إيواء في بيروت أو إلى شقق مستأجرة أو لدى أقارب في مناطق أخرى، بينما لم يجد آخرون ملاذا سوى الشارع. ونشر إعلام حزب الله شريط فيديو قال فيه مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله محمد عفيف من أمام ركام مبنى عائد لقناة تلفزيونية دينية طالتها الغارات الثلاثاء، “كل المباني التي قُصفت في الضاحية مبانٍ مدنية بحتة يسكنها مدنيون لبنانيون ولا تحتوي على أيّ أنشطة عسكرية”. ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يستهدف “منشآت” أو “مصالح” لحزب الله، ويطالب إجمالا سكان الأحياء التي سيقصفها بإخلائها قبل وقت قصير من تنفيذ الغارات. وفي حيّ آخر واقع على أطراف ضاحية بيروت الجنوبية، شوهد دمار كبير بعدما استهدف القصف مجمّعا سكنيا من أربعة أبنية ضخمة. وتفقّدت فرق الإسعاف المكان بحثا عن ناجين أو قتلى. وفي موقع قريب، يمكن رؤية ألسنة نيران لا تزال مشتعلة، وشمّ رائحة حريق وأكوام من الردم. وفي مجمع سكني في منطقة الشويفات الواقعة على تخوم الضاحية، سوّيت أربعة أبنية بالأرض بينما تضرّر مبنى خامس. ويروي أحد سكّان منطقة الليلكي التي طالتها الغارات مرارا في الأيام الأخيرة، بعد تفقده منزله الذي نزح منه الأسبوع الماضي، إن مجمّعا سكنيا في شارع مجاور مؤلفا من ثمانية أبنية، تدمّر تماما جراء الغارات. ويقول الرجل الذي فضّل عدم ذكر اسمه “امتلأت شقتي بالغبار وبرائحة قوية غير مألوفة سبّبت لي ضيقا في التنفس، فأسرعت لإحضار هويات أفراد عائلتي ثم المغادرة بسرعة معهم”. ويضيف أن “الحي بات مكانا غير صالح للسكن بسبب انقطاع الكهرباء والمياه. أبنية خالية ومتاجر مغلقة، تكسر زجاج واجهات بعضها”. لافتا “لم أرَ سوى شخص أو شخصين في طريقي إلى المنزل، ما من حياة”. وتحصد الغارات الجوية الإسرائيلية اليومية العشرات من الضحايا في الضاحية الجنوبية، ومن بين ركام مبنى مدمّر، علق علم أصفر لحزب الله كتب عليه “لن تسقط لنا راية” بالقرب من صورة لحسن نصرالله.
مشاركة :