عرضت السينما المغاربية خلال مهرجان «رؤى أفريقيا» الذي انتهت فاعلياته الأسبوع الماضي، كمّاً لافتاً من الأفلام التي تميزت بتنوعها وجودتها وجرأة بعضها، إضافة إلى وفرة ما نالته من جوائز عن أفضل الأعمال الأفريقية والوثائقية. إلا أن نشاط السينما المغاربية لم يتوقف عند هذه المشاركة، بل استمر في دفعه ومده شاشات مونتريال لأول مرة بمجموعة متنوعة من الأفلام الإضافية تكشف بعض الجوانب الوطنية والاجتماعية في كل من الجزائر وتونس والمغرب. ويأتي في مقدم هذه البانوراما عرض الفيلم الروائي «البئر» وهو العمل الأول الذي يعرض على الشاشة الكندية لمخرجه لطفي بوشوشي. ويتحدث، على مدى 90 دقيقة، عن معاناة سكان قرية جزائرية صغيرة حاصرها جنود الاحتلال الفرنسي ومنعوا ما تبقى فيها من نساء وأطفال من الحصول على الماء من البئر الوحيدة في القرية. تجسد كاميرا المخرج في «البئر»، المعاناة اليومية لمجتمع نسوي غاب عنه رجاله بعد التحاقهم بحركات المقاومة والتفرغ لمقاتلة جنود الاحتلال، ما جعل المرأة الجزائرية تتولى مسؤولية الدفاع في الداخل وحماية الأطفال والنساء والمرضى والعجزة وتوفير مقومات الصمود لهم ولمواشيهم. إلا أن استمرار الحصار ونفاد مخزون الماء لدى الأسر وموت الكثير من المواشي وإصابة الأطفال بأمراض الجفاف، تدفع الكثير من النساء أمثال «فريحة» و«خديجة» إلى مواجهة الاحتلال ومحاولة فك الحصار عن القرية. حيث قدر لهاتين المناضلتين ولاثنين من زعماء القبائل (بلقاسم وبن عودة) بعد استشهادهم، إخراج الكثير من السكان من قبضة الاحتلال. نشير إلى أن الفيلم حظي بمساحة واسعة من الثناء والإعجاب في الصحافة الكندية، فاعتبرت صحيفة «لا برس» أن السينما الجزائرية ارتقت إلى محطة جديدة من كفاح الشعب الجزائري، وجسدت اغتيال الإنسانية في زمن الاستعمار. فيما أثنت «جريدة مونتريال» على «بطولة الفيلم التي تجسدت في الشعب الجزائري بمكوناته الاجتماعية والإتنية والثقافية كافة وعدم اقتصارها على الجانب العسكري، بل أيضاً على ظهير مدني شعبي مؤمن بالتحرير والاستقلال». وفي الحيز الجزائري أيضاً يقدم المخرج وكاتب السيناريو أمين سيدي بومدين فيلماً قصيراً (18 دقيقة) في عنوان «القاتل – Serial K» يتحدث عن قصة غريبة بطلها رجل (سمير الحكيم) يبدو في مظهره رصيناً صامتاً. يقوم بتصوير راعٍ مع قطيع من الأغنام. ويتابعه إلى أن يرى الراعي يقوم بضرب «كبش» ضرباً مبرحاً. وفجأة يتدخل (الحكيم) ويساوم الراعي على شراء الكبش ويدفع ثمنه. ويضعه في صندوق سيارته ويحط به في دار شبه مهجورة، ويربطه إلى جذع شجرة. مشهد سوريالي بامتياز، يقوم خلاله «الحكيم» بضم الكبش إلى صدره، يلامسه برفق وحنان، ينزع الأشواك عن صوفه، ويأخذ رأسه بين يديه ويحدق به ملياً كأنه يخاطبه بلغة لا يفهمها غيره. ثم يترك ضيفه لفترة ويركب سيارته ويقف فجأة ويقوم عبر كاميرا صغيرة بمراقبة فتاة جميلة تهم بدخول منزل. يسترق النظر إليها بين الحين والآخر فتفاجئه أحياناً بنظرات مريبة ويرحل غاضباً. وبعيداً من الأعين يدخل إلى بهو بصحبة كبشه ولا يخرج منه إلا بعد رؤية الدم ينساب بين الأعشاب اليابسة ويلطخ يديه وثيابه. هــذه النهاية المأسوية لصديق البطل كبـــش الغنم، يصفها الناقد في جريدة «لو دوفوار» أندريه لافوا بقوله أن «الفيلم يطــــرح مشكلة «سفاح برداء حمل» تخفي وراءهــــا مشاعر سادية تتفشى خطورتها في «تابو» الإحباطات الجنسية المكبوتة لدى بعض الفئات المحافطة في أوساط المجتمع الجزائري». وفي سياق متصل بالغيرة، تشارك المخرجة المغربية ابتسام غوردا بفيلمها القصير (17 دقيقة) عنوانه «حجاب الغيرة - voiler la face» وهو من إنتاج مغربي - فرنسي، ويحكي قصة زوجين (أمين وإندورا) يعيشان في إحدى الضواحي الفرنسية، وفق تعاليم الشريعة الإسلامية. تعتري أمين المتشدد دينياً مشاعر الشك لدى قيام صديقة زوجته المنقبة (هدى) بزيارات متعددة إلى المنزل. تشتد الغيرة في نفس أمين، ويتساءل بارتياب عمن يختبئ وراء النقاب هل هو رجل أم امرأة. وسرعان ما تفتك به الهواجس والتمادي في التشكيك بزوجته إلى أن ضاقت به هذه الأخيرة وابتعدت منه. وتنتهي البانوراما المغاربية بالفيلم الوثائقي القصير التونسي - الفرنسي «شوشة - Chouchou» من إخراج صوفي شالييه وجبريل دياللو (صحافي وكاتب وناشط في حقوق الإنسان ومختصّ بشؤون أفريقيا والعالم العربي). وتدور أحداث الفيلم في مخيم صحراوي (شوشة) جنوب تونس، يشكو من انقطاع المياه والكهرباء وتقاعس المنظمات غير الحكومية عن إعانة الناجين من الصراعات الليبية الداخلية بعد تعرضهم لهجوم من قرية مجاورة. فيما يقرر بعض المحاصرين ممن فقدوا أوراقهم الثبوتية الهروب عبر القيام بمغامرة تسلل بحرية. ومن الواضح أن هذا الفيلم يلقي الضوء على جانب من تضارب المصالح الدولية واللامبالاة العبثية إزاء المنسيين في الحرب الليبية.
مشاركة :