استقرت أسعار النفط الجمعة مع إقبال المستثمرين على جني أرباح مكاسب شهر، بعد صعودها 20 في المائة على مدى الشهر الأخير، وهو ما وازن تأثير خفض الإنتاج في كندا التي شهدت حرائق غابات ضخمة عرقلت عمليات الرمال النفطية. ونزلت أسعار النفط نحو واحد في المائة في التعاملات الأوروبية المبكرة قبل أن يسجل ارتفاعا بنهاية اليوم، حيث استقر السعر فوق 45 دولار، وسجل 45.94 دولار لبرميل برنت، و45.19 دولار لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي، الساعة 16.33 بتوقيت غرينتش، وهذا بعد تراجعه الصباحي عندما تراجع برنت في العقود الآجلة 24 سنتا إلى 44.7 دولار للبرميل، وانخفض خام غرب تكساس الوسيط الأميركي في العقود الآجلة 25 سنتا إلى 44.07 دولار للبرميل، وهذا عند الساعة 8.48 صباحا، قبل أن يعود للارتفاع مساءا. وصعد سعر برنت 64 في المائة منذ بلوغه أدنى مستوى له في نحو 13 عاما في منتصف يناير (كانون الثاني) وارتفع 20 في المائة على مدى الأسابيع الأربعة الأخيرة. وتسببت حرائق الغابات في كندا في توقف طاقة إنتاجية لا تقل عن 690 ألف برميل يوميا لكن ذلك لم يكن له تأثير كبير على السوق أمس الجمعة. ويضاف إلى تعطل الإمدادات في كندا استمرار انخفاض إنتاج النفط الأميركي. فقد أظهرت بيانات من إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن إنتاج الخام في الولايات المتحدة انخفض 410 ألف برميل يوميا هذا العام و800 ألف برميل يوميا منذ منتصف 2015 في ظل معاناة المنتجين من موجة الهبوط التي نزلت بالأسعار أكثر من 70 في المائة في الفترة بين منتصف 2014 ومطلع 2016. وفي روسيا كانت هناك تصريحات تؤثر على السعر أيضا، حيث قال متحدث باسم الكرملين أمس الجمعة أن المفاوضات بين كبار منتجي النفط بخصوص كبح الإنتاج من أجل تعزيز أسعار الخام المتدنية يجب أن تبدأ من الصفر بشكل عام. ولم ينجح كبار منتجي النفط في العالم في التوصل لاتفاق على تجميد لمستويات الإنتاج أثناء اجتماعهم في الدوحة الشهر الماضي. وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين للصحافيين «بالطبع هناك الكثير من الأمور التي يجب أن تبدأ من الصفر بعد فشل هذه العملية في الآونة الأخيرة». وأضاف: «المسؤولون الروس وخصوصا وزير الطاقة ألكسندر نوفاك أكدوا أكثر من مرة على أن الكرة ليست في ملعبنا بل في ملعب شركائنا». يأتي هذا التصريح في نفس اليوم الذي يشهد لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود. وقال بيسكوف إنه قد يتم مناقشة الوضع في أسواق النفط العالمية لكن ليس من المتوقع اتفاق البلدين على تجميد مستويات إنتاج النفط، وأضاف أنها عملية جماعية معقدة. وقال تقرير مطول لوكالة رويترز إن حرائق غابات كندا ومعاناة فنزويلا من الاضطرابات وتوقف منصات حفر في الولايات المتحدة، يؤدي إلى تقلص الإنتاج بوتيرة سريعة جدا «تجعل الأمر يبدو كما لو أن الأميركيتين وحدهما تستطيعان حل مشكلة تخمة المعروض العالمي من الخام»، وفقا للوكالة. ويعزى هبوط أسعار النفط بنحو 70 في المائة خلال الفترة من 2014 حتى أوائل 2016 إلى مشكلة واحدة وهي الإنتاج الذي يزيد على مستوى الطلب بنحو مليوني برميل يوميا. لكن تلك التخمة تتلاشى بسرعة جراء تخفيض الإنتاج في الأميركيتين بما فيها الولايات المتحدة وكندا وأميركا اللاتينية وتقلص الإنتاج أيضا بشكل متزايد في آسيا. ويقول جاي بابر المحلل لدى «سيمونس آند كو»: «حالات تعطل الإنتاج التي لم تكن في الحسبان عنصر أساسي ساهم منذ بداية العام في تحسين التوازن بين العرض والطلب بسوق النفط على نحو أفضل مما كان متوقعا». وحذر من أنه إذا استمر التعطل سيصبح هناك فائض محدود في الطاقة الإنتاجية فوق الطلب. وانخفض إنتاج الأميركتين بأكثر من 1.5 مليون برميل يوميا في الربع الماضي في الوقت الذي خفض فيه المنتجون في آسيا وأستراليا إنتاجهم بنحو 250 ألف برميل يوميا، بما قلص جزءا كبيرا من تخمة المعروض العالمي بحسب ما تظهره بيانات حكومية وأخرى من القطاع وشركات استشارية. ويقول نيل بيفيريدج كبير المحللين لدى سانفورد سي. برنشتاين: «السعوديون حققوا ما يريدونه بأن تستعيد السوق توازنها من خلال الأسعار». وأضاف: «خلال الأشهر الاثني عشر الأخيرة رفعت السعودية الإنتاج مما فرض ضغوطا نزولية على الأسعار لاستعادة الانضباط بين المنتجين، وذلك يحدث الآن». وفي الحقيقة فإنه مع خروج قدر كبير جدا من إنتاج الدول غير الأعضاء في أوبك من السوق صار باستطاعة منتجين مثل السعودية وقطر زيادة الإمدادات وأسعار الشحنات المتجهة إلى آسيا أكبر منطقة مستهلكة للخام في العالم. وقالت وكالة الأنباء القطرية أول من أمس الخميس إن قطر حددت بأثر رجعي سعر البيع الرسمي لشحنات أبريل (نيسان) من خامها البحري عند 39 دولارا للبرميل بزيادة 4.45 دولار للبرميل عن الشهر السابق. وأضافت الوكالة الرسمية أن البلد العربي الخليجي حدد سعر البيع الرسمي للخام البري عند 40.90 دولار للبرميل بارتفاع 3.80 دولار عن الشهر السابق. وأضاف بيفيريدج أن تعطل الإنتاج في كندا يساعد أيضا على تسريع وتيرة استعادة التوازن. * تقليص كبير في الإنتاج وتسببت حرائق الغابات في فورت مكماري في قلب منطقة الرمال النفطية الكندية في توقف طاقة إنتاجية تتجاوز 690 ألف برميل مع احتمال حدوث المزيد من التعطل في الإنتاج. وتوقعت مذكرة بحثية لبنك أوف مونتريال كابيتال ماركتس أن حريق الغابات في مدينة فورت مكماري بإقليم ألبرتا قد يكلف شركات التأمين ما يصل إلى تسع مليارات دولار كندي (7 مليارات دولار أميركي)، وهو ما يجعله الكارثة الطبيعية الأكثر تكلفة على الإطلاق في كندا. وقال توم ماكينون المحلل بالبنك أن ذلك الرقم هو أسوأ تكلفة محتملة على أساس مقارنة مع حريق للغابات في سليف ليك في ألبرتا في 2011، وبلغت فاتورة شركات التأمين عن ذلك الحريق 700 مليون دولار كندي في وقتها. وقال ماكينون في مذكرة بحثية «لأن حجم حريق فورت مكماري أكبر نحو عشر مرات من سليف ليك فإن كارثة بهذا الحجم قد تؤدي إلى خسائر محتملة بقيمة 9 مليارات دولار كندي لصناعة التأمين». وأضاف أن «هناك تقديرا أكثر معقولية يقول بأن الخسائر الإجمالية لشركات التأمين ستتراوح من 2.6 مليار إلى 4.7 مليار دولار كندي»، وهو يبقى وبفارق كبير أكبر خسارة محتملة لكارثة طبيعية في تاريخ كندا. وحريق سليف ليك كان في السابق أكبر خسارة لشركات التأمين في كندا ناتجة عن حريق للغابات. وازدادت رقعة حريق فورت مكماري - وهو الآن في يومه السابع - إلى خمسة أمثال حجمه في بادئ الأمر وتسبب في إخلاء كامل للمنطقة من سكانها البالغ عددهم 88 ألفا. وحتى الآن دمر الحريق الذي لم يخضع للسيطرة حتى الآن 1600 مبنى مقارنة مع 374 مبنى في حريق سليف ليك إضافة إلى 19 ألف مبنى آخر من المحتمل أنها معرضة للتهديد. ويقول ريتشارد جوري مدير «جيه. بي. سي إنرجي آسيا»: «في العامين الماضيين لم يكن التركيز على تعطل الإنتاج بسبب اختلال التوازن في السوق لكن هذا يتغير الآن مع تقلص الفجوة بين العرض والطلب في السوق». ومن المتوقع أن يواصل الإنتاج الأميركي تراجعه لينخفض 800 ألف برميل يوميا خلال الأشهر الخمسة المقبلة بحسب إدارة معلومات الطاقة بعد أن تقلص بواقع 410 آلاف برميل يوميا منذ بداية العام و800 ألف برميل يوميا منذ منتصف 2015. وهبط إنتاج النفط الخام في أميركا اللاتينية التي تعاني من قلة الاستثمار في القطاع 4.6 في المائة في الربع الأول من العام إلى 9.13 مليون برميل يوميا بانخفاض قدره 441 ألف برميل يوميا مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي بحسب بيانات كل دولة على حدة وبيانات أوبك. وكان أكبر انخفاض من نصيب فنزويلا التي تراجع إنتاجها بواقع 188 ألف برميل يوميا في الربع الأول في الوقت الذي تواجه فيه حكومة الرئيس نيكولاس مادورو أزمة اقتصادية كبيرة. كما يتراجع الإنتاج أيضا في أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادي. وقال بنك ستاندرد تشارترد إنه من المتوقع أن تسجل الصين أكبر مستهلك للنفط في المنطقة انخفاضا بنسبة ستة في المائة في إنتاج النفط الخام في 2016 بسبب تقادم الحقول وضعف الأحوال الاقتصادية. وساعدت الإشارات على تقلص الإمدادات في رفع أسعار النفط إلى مستويات عالية. وأبت أفريقيا ألا يكون لها نصيب من الاضطراب في سوق النفط، ففي نيجيريا قالت شركة شيفرون الأميركية للطاقة أول من أمس الخميس إن متشددين هاجموا منصة لها في منطقة دلتا النيجر الغنية بالنفط في نيجيريا في وقت متأخر يوم الأربعاء وسط مخاوف متزايدة من تجدد حملة للمتشددين في المنطقة. والهجوم هو الأحدث في سلسلة هجمات على منشآت نفطية في أكبر مصدر للخام في أفريقيا، وتعهد الرئيس النيجيري محمد بخاري بشن حملة على المخربين في منطقة الدلتا التي تنتج معظم النفط في البلاد. وقالت شركة شيفرون نيجيريا المحدودة التي تشغل مشروعا مشتركا مع شركة البترول الوطنية النيجيرية في بيان إن هجوما وقع مساء الأربعاء. وقال البيان: «هاجم أشخاص مجهولون منشأة أوكان البحرية في غرب منطقة دلتا النيجر، والمنشأة مغلقة حاليا ونعكف على تقييم الوضع ونشرنا موارد لاحتواء تسرب ناتج عن الهجوم»، ولم تتكشف تفاصيل عن أي إصابات. وأعلنت جماعة معروفة باسم «الثائرون لدلتا النيجر» المسؤولية عن الهجوم، وقالت في بيان إنها نسفت المنصة. وأضافت قائلة: «هذا هو ما وعدنا به حكومة نيجيريا بسبب رفضهم الاستماع لنا». وكانت نفس الجماعة قالت إنها شنت هجوما على خط أنابيب لشركة شل في فبراير (شباط) تسبب في إغلاق مرفأ فوركادوس للتصدير الذي تبلغ طاقته 250 ألف برميل يوميا. ويقول المتشددون إنهم يريدون حصة أكبر من الإيرادات النفطية، وتشكل مبيعات الخام نحو 70 في المائة من الدخل القومي في أكبر اقتصاد في أفريقيا. لكن رغم ذلك تظل التخمة العالمية مرشحة للاستمرار لبعض الوقت في ظل ارتفاع الإنتاج في منطقة الشرق الأوسط واقتراب روسيا من مستويات إنتاج غير مسبوقة وامتلاء صهاريج التخزين عن آخرها. وتزيد العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت للتسليم خلال خمس سنوات بعلاوة بسيطة عن عقود أقرب استحقاق تبلغ عشرة دولارات للبرميل، وهو مؤشر على أن سيناريو الأسعار الأقل لفترة أطول قد يستمر لفترة طويلة.
مشاركة :