دخل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي يقود الحكومة الهندية، في اتفاق عسكري كبير مع الولايات المتحدة الأميركية بعد مرور 14 عاما من رفض الحكومات الهندية المتعاقبة التوقيع عليه. والاتفاق الذي لم يجذب انتباه الكثير من وسائل الإعلام، يخوّل لجيوش الولايات المتحدة والهند استخدام القواعد العسكرية لكلا البلدين في تنفيذ عمليات الإصلاح، والتجديد، والتعاون البحري المشترك. كما تتعاون، بموجب الاتفاق المذكور، القوات البحرية في كلا البلدين في الحروب المضادة للغواصات، وهي مجال من التكنولوجيا العسكرية الحساسة والتكتيكات التي لا تتشارك الولايات المتحدة فيها إلا مع حلفائها التقليديين. وتملك الولايات المتحدة أكبر أسطول للغواصات في العالم، في حين تتفوق الصين في أسطول الغواصات لديها على مثيله الهندي. ومع ذلك، صرح وزير الدفاع الهندي، مانوهار باريكار، وبصورة قاطعة أنه «لن يكون هناك تمركز للقوات الأميركية في قواعدنا العسكرية». وجاءت تلك العلاقات في وسط محاولات من جانب الهند والولايات المتحدة لمواجهة القوة العسكرية الصينية المتصاعدة، التي تملك أكبر جيش على مستوى العالم قوامه 2.3 مليون جندي، إلى جانب ميزانية عسكرية ضخمة تقدر بـ150 مليار دولار. وتهتم حكومة رئيس الوزراء مودي، في مواجهة الحزم الصيني والوجود المتزايد في المحيط الهندي الذي يعتبر الفناء الخلفي لشبه الجزيرة الهندية، بشأن سيطرة نيودلهي البحرية في المنطقة. كما أن الصين تحاول التودد إلى مختلف الدول في المحيط الهندي، وتضخ الكثير من الأموال في جزر المالديف وسريلانكا، حيث تموّل الصين بناء ميناء في المياه العميقة هناك. كما أن الصين من أقرب الحلفاء لباكستان المنافس الهندي اللدود في المنطقة، وهو التطور الذي سبب توترا عميقا لدى نيودلهي في الآونة الأخيرة. وفي الوقت ذاته، حوّلت واشنطن تركيزها صوب آسيا على نحو متزايد في محاولات لمواجهة التصعيد الصيني المتزايد في بحر الصين الجنوبي، ذو الأهمية القصوى للشحن والتجارة الدولية. وتزعم الصين سيطرتها الحصرية على كامل بحر الصين الجنوبي، ولقد شيّدت في الشهور الأخيرة مباني ضخمة، بما في ذلك نظاما للرادار ومهبطا للطائرات على منطقة للشعاب المرجانية الصلبة. وتزعم كل من بروناي، وماليزيا، والفلبين، وتايوان، وفيتنام، بحقوق لها في مياه بحر الصين الجنوبي، والذي تمر به تجارة تقدر بـ5 تريليونات دولار حول العالم. ولقد وافقت نيودلهي، التي تراجعت مرارا وتكرارا منذ عقود عن الانجرار إلى أحضان أميركا، على فتح قواعدها العسكرية للقوات الأميركية في مقابل الوصول إلى تكنولوجيا الأسلحة المتقدمة لمساعدتها على تجسير الفجوة ما بينها وبين الصين. وأبرمت الهند، وهي أكبر مستورد للأسلحة في العالم، الاتفاق الذي يوفر لها الحصول على تكنولوجيا الأسلحة الأميركية بما يحقق لها مزية تطوير الأسلحة المعقدة في الداخل، وهو جزء أساسي من حملة «صنع في الهند» التي أطلقها رئيس الوزراء مودي من أجل تعزيز التصنيع العسكري المحلي وخفض واردات الأسلحة الخارجية الباهظة. كما تأمل الولايات المتحدة كذلك إلى بيع مقاتلات «إف - 16» أو «إف - 18» إلى الهند، في جزء من صفقة الإنتاج العسكري المشترك الكبيرة، التي تتضمن أيضا إنتاج أكثر من 100 طائرة يجري تصنيعها بشكل جزئي في الهند. ومن خلال هذه الصفقة، تسعى الهند، التي اعتمدت عبر تاريخها على روسيا في استيراد الأسلحة، إلى نيل مساعدة الولايات المتحدة في تطوير حاملات الجيل الجديد من الطائرات الهندية. وقال مسؤول في وزارة الدفاع الهندي، رفض الكشف عن هويته، إن الاتفاق يشمل ضمانات مدمجة لمنع تقديم الدعم اللوجستي للجيش الأميركي إذا ما كان ذلك يتعارض مع المصالح الهندية. وأضاف أن مصالح الدول الصديقة للهند سوف توضع في الحسبان كذلك. ومن الجدير التذكير بأن وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر كان قد قام بزيارة إلى الهند استغرقت 3 أيام لمناقشة تأثير الاتفاق العسكري المشترك بالتفصيل مع نظيره الهندي مانوهار باريكار. وقال الوزير كارتر للصحافيين في نيودلهي «اتفقنا من حيث المبدأ على تسوية كافة القضايا». ويعتقد المخضرمون من خبراء الأمن الهنود أنه قد آن الأوان لأن تتخذ الهند مكانتها في المجموعة الليبرالية الديمقراطية من القوى العسكرية الكبرى، وأنه ما من حاجة ماسة للخجل للإعلان عن ذلك على الملأ. وكانت الهند يساورها القلق فيما مضى من أن الاتفاق اللوجستي من شأنه أن يجعلها تبدو على انحياز قريب من المدار الأميركي، ما قد يقوض الاستقلالية التقليدية التي تتمتع بها الهند. إلا أن المسؤولين الهنود قالوا إن مخاوف الهند قد نوقشت باستفاضة مع الجانب الأميركي خلال المباحثات. من جانبه، علّق المحرر الصحافي الكبير راجا موهان على الأحداث قائلا إن الإحجام الهندي عن التحرك قدما مع الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية، وكما يدرك رئيس الوزراء مودي تماما، لم يرجع على الهند بالكثير من الفائدة من الصين - سواء كانت القضايا تتعلق بالإرهاب القادم من ناحية باكستان، أو دعم عضوية الهند في مجموعة موردي المواد النووية. ولم تكتسب الهند شيئا من التحفظات التي اعتمدتها في مواجهة بكين ذات النزعة العدوانية، وبصورة متزايدة في السنوات الأخيرة. بل إن الصين قد زادت من وتيرة الأحداث عبر الكثير من التجاوزات المتكررة على الطول الحدود. ويدرك النظام الحاكم في نيودلهي ذلك تماما، وبالتالي فإن حكومة مودي تحاول مواجهة الصين بمزيد من الثقة وتأكيد الذات. وأضاف أن مودي يدرك أنه من الأفضل التعامل مع الولايات المتحدة والصين على أساس المصلحة الذاتية، ومن خلال إيجاد أوراق النفوذ. والسؤال الحاسم بالنسبة لنيودلهي في الوقت الراهن بسيط: «ماذا أكسب من ذلك؟» (أي الانحياز إلى الولايات المتّحدة أو الصين). في الأثناء ذاتها، فإن الخصوم السياسيين المعارضين لمودي، ولا سيما اليسار السياسي، كانوا ضد الاتفاق تماما ووصفوه بأنه «مؤسس» من قبل وزارة الدفاع الأميركية، نظرا لإمكانية منح الجيش الأميركي حق الدخول إلى القواعد العسكرية الهندية. ويقولون أيضا إن الولايات المتحدة قد تستخدم القدرات اللوجستية للجيش الهندي - وإمدادات الوقود، والمعدات، وأدوات الراحة والاستجمام للقوات الأميركية - لمساعدتها في متابعة حروبها هنا وهناك. من جانبه، قال مايوري موخيرجي مساعد رئيس التحرير في صحيفة «الرائد» الهندية: «تحتاج الهند للتركيز على الإصلاحات العسكرية واسعة النطاق التي تجري في الصين. فالرئيس الصيني والقائد الأعلى لقواتها المسلحة يجهّز رجاله ليس لأجل الحرب القادمة فحسب، ولكن لأجل تعزيز العدوان الاقتصادي للصين خارج حدود البلاد، وذلك من خلال المشروعات الطموحة على غرار مشروع الطريق الواحد، ومشروع الحزام الواحد. وتحتاج الهند إلى رد فعل ذي مصداقية، ولا سيما فيما يتعلق بمنطقة المحيط الهندي التي يتعين عليها أن تظل قوة عسكرية كبيرة فيها. ومن شأن الدعم الأميركي أن يساعد بصورة كبيرة في هذا الصدد. وتحتاج الهند إلى الثقة بالدرجة الكافية للاستفادة من ذلك في صالحها». في المقابل، يقول المحلل العسكري بهارات كارناد إنه لا ينبغي على الهند الاقتراب كثيرا من الولايات المتحدة، حيث إن الجانب الأميركي يفضل إسلام آباد كحليف عسكري رغم إدراكه أن باكستان كانت شريكا لا يُعتمد عليه في الحرب ضد الإرهاب. ولكن الوضعية الجيو - سياسية لباكستان تجعل من الضروري للجانب الأميركي أن يحافظ على استمرار الشراكة العسكرية مع إسلام آباد. من جهة أخرى، فإن العلاقات الهندية مع الصين، ورغم طول أمد تلك العلاقات والنزاع الحدودي الذي لم يُحل بعد، والدعم غير المحدود من قبل بكين إلى باكستان، إلا أن للصين ديناميتها الاقتصادية ولا يمكن أن تكون رهينة للمصالح الاستراتيجية الأميركية في منطقة المحيط الهادي الآسيوية. والأهم من ذلك، فإنه يتعين على الحكومة الهندية التأكد أن روسيا - وهي الشريك الاستراتيجي المهم والداعم الكبير للمعدات العسكرية الهندية - لم يتم تحييده، وهو الأمر المنتظر حدوثه إذا ما رفعت نيودلهي من وتيرة ألفتها وقربها مع واشنطن.
مشاركة :