مع مواصلة قصفها على قطاع غزة منذ أكثر من عام، بدأت القوات الإسرائيلية في 30 أيلول/سبتمبر توغلات حدودية برية في لبنان وصفتها بـ"المحدودة" و"المركزة" ضد مقاتلي حزب الله. وكان حزب الله المدعوم من إيران قد فتح جبهة ضد إسرائيل من جنوب لبنان في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 لإسناد غزة وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، غداة هجوم غير مسبوق للحركة الفلسطينية على جنوب إسرائيل أشعل شرارة الحرب في القطاع. وبعد أكثر من أحد عشر شهرا من القصف المتبادل عبر الحدود، كثّف الجيش الإسرائيلي غاراته الجوية ضد حزب الله وأطلق هجوما بريا يختلف عن الذي ينفّذه في غزة حيث التضاريس مسطحة والكثافة السكانية عالية. في تصريح لوكالة فرانس برس، يؤكد جوناثان كونريكوس الذي قاتل في لبنان وعمل ضابط اتصال إسرائيليا مع قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل) بين عامي 2009 و2013، أن منطقة القتال "أكبر بكثير" و"التضاريس صعبة للغاية بالنسبة لقوة غازية". "جهنّم" ويضيف كونريكوس الذي يعمل حاليا في "مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات" في واشنطن، أن "قدرة المناورة تقتصر على الطرق القائمة وجميع المسارات تعبر من مناطق سكنية. كما تسمح التضاريس للعدو (...) باستخدام الصواريخ المضادة للدروع والعبوات الناسفة". تتذكر ميري آيسن، ضابطة الاستخبارات الإسرائيلية السابقة في لبنان، التلال والوديان الشديدة الانحدار خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1978. وتقول لوكالة فرانس برس "بمجرد عبور الحدود، تبدأ فجأة بالانحدار والصعود". تتابع آيسن التي تعمل حاليا في "معهد مكافحة الإرهاب" في جامعة رايخمان الإسرائيلية، "هناك صخور يمكن استخدامها مخابئ، ومناطق لا يمكن عبورها بالمركبات. كما أنه من الصعب السير هناك". ويعتقد خبراء إسرائيليون أيضا أن حزب الله حفر شبكة أنفاق في التلال وأنشأ فتحات مخفية في منازل. كان لحروب إسرائيل في لبنان دائما الهدف نفسه: ضمان الأمن على حدودها الشمالية. بعد العملية الأولى ضد منظمة التحرير الفلسطينية عام 1978، غزت القوات الإسرائيلية لبنان بعد أربع سنوات في إطار هجوم استهدف مجددا منظمة التحرير الفلسطينية، وحاصرت خلالها بيروت لفترة وجيزة، ثم ظلت في البلاد لمدة 18 عاما. خلال فترة الاحتلال تأسس حزب الله واستمر مذاك في قتال إسرائيل. وفي عام 2006، شنّ الجيش الإسرائيلي هجوما بريا ضد حزب الله، وهي حرب اعتبرت فاشلة بالنسبة لإسرائيل التي تكبّدت 160 قتيلا معظمهم من العسكريين. قبل أيام قليلة من اغتياله في غارة إسرائيلية في 27 أيلول/سبتمبر، حذّر الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الدولة العبرية من أي محاولة لإنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان. وقال نصرالله حينها في خطاب إن "الحزام الأمني سيتحول إلى وحل وإلى فخّ وإلى كمين وإلى هاوية وإلى جهنّم لجيشكم إذا أحببتم أن تأتوا إلى أرضنا". "كمائن وفخاخ ومتفجرات" يشدد الخبراء على أن الجيش الإسرائيلي وحزب الله قد تغيرا منذ آخر مواجهة مفتوحة بينهما. وبحث المتخصصون العسكريون الإسرائيليون إخفاقات عام 2006 لاستخلاص العبر. تقول ميري آيسن "كان الجيش الإسرائيلي يراقب تهديد حزب الله لسنوات، ومع القتال ضد حماس (في غزة)، كان أمامه 11 شهرا إضافيا للاستعداد". وقد استفاد حزب الله لسنوات من أسلحة نقلتها اليه إيران، ولا سيما الصواريخ البالستية، والعديد من قواته تمرست في القتال الدائر في سوريا دعما لنظام الرئيس بشار الأسد. كما يعمل الحزب اللبناني "بطريقة لا مركزية"، ما يعطي لعناصره هامش تحرك في الجنوب، وفق رابحة سيف علام من مركز الأهرام للدراسات السياسة والاستراتيجية في القاهرة. وتضيف علام في تصريح لوكالة فرانس برس أن "الافتراض بأن ضرب قيادة (حزب الله) واتصالاته سيشله هو افتراض خاطئ". ويؤكد العميد منير شحادة، المنسق السابق للحكومة اللبنانية مع اليونيفيل في لبنان، لوكالة فرانس برس أن لدى حزب الله مخزونا كبيرا من الصواريخ المضادة للدروع وأسلحة أخرى. ويوضح "هذا ما يعتمد عليه بشكل كبير في وقف تقدم الدبابات الإسرائيلية، وهو لا يستخدمها حتى الآن، ويعتمد على الكمائن والفخاخ والمتفجرات". بورز-ادب/ح س/ب ق
مشاركة :