الخطاب الملكي الأخير، الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الجديدة، سلط الضوء على الانتقال الحاسم الذي انتهجه المغرب من مرحلة "التدبير" إلى "دينامية التغيير" في ملف الصحراء المغربية، ما يفتح الباب امام منعرج جديد لملف الوحدة ، الترابية ، إذ يرى الأستاذ الجامعي ميلود بلقاضي أن هذا التحول يندرج ضمن الاستراتيجية الملكية التي أكدت على ضرورة الانتقال من مجرد إدارة الملف إلى اتخاذ خطوات أكثر استباقية وديناميكية. بلقاضي إعتبر في تصريح صحفي لموقع القناة الثانية ، أن جلالة الملك عبر خطاب افتتاح النشاط البرلماني، وضع إطاراً واضحاً للتحرك المغربي، وهو التحرك الذي لم يعد يقتصر على رد الفعل بل يعتمد على المبادرة والحزم، وهو ما انعكس على مختلف مواقف المجتمع الدولي تجاه القضية الصحراوية. حيث أشار إلى أن هذا الانتقال إلى "دينامية التغيير" لم يأت في فراغ، بل تم دعمه بتحركات دبلوماسية واقتصادية وسياسية أوسع، مستشهداً بموقف الجمهورية الفرنسية الأخيرة التي اعترفت بسيادة المغرب على كامل أراضيه في الصحراء، ودعمها الصريح لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الإطار الوحيد لحل هذا النزاع الإقليمي. فيما يتعلق بالسياق الدولي ، أوضح بلقاضي أن جلالة الملك واعٍ تماماً بتحولات النظام الدولي الجديد، حيث لا مكان فيه للدول الضعيفة أو المستباحة. ولذلك، اعتبر أن المغرب اختار طريقاً آخر، يقوم على التنمية والبناء وترسيخ الخيار الديمقراطي لكامل ترابه الوطني. وأضاف الأكاديمي المغربي ، أن المغرب يسعى إلى تحقيق مصالحه الوطنية في إطار التعاون الدولي المبني على المصالح المشتركة، خصوصاً مع عمقه الأفريقي، الذي أصبح محورا استراتيجياً لكافة المشاريع الكبرى التي أطلقها المغرب، مثل مشروع أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا وانفتاح الدول الإفريقية على البعد الأطلسي. وتابع بلقاضي أن المغرب تمكن من جعل قضية الوحدة الترابية في قلب المعادلات الاستراتيجية، حيث تتمحور كل المشاريع الهيكلية التي يقودها المغرب نحو تعزيز عمقه الأفريقي، وهو ما يعزز من موقفه في مواجهة مناورات الخصوم. وأكد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس , أن هذه السياسة البراغماتية ستحقق نتائج كبيرة، وستجعل من الدول الأفريقية حلفاء للمغرب في دفاعه عن قضية الصحراء. و رغم المكاسب التي تحققت، شدد بلقاضي على أن الخطاب الملكي كان واضحاً في ضرورة استمرار اليقظة الوطنية. حيث أشار إلى أن جلالة الملك أكد على أن إغلاق ملف الصحراء لا يعني توقف التحرشات والتضليل الخارجي، ما يستدعي توحيد الجهود على مستوى المؤسسات الوطنية والأحزاب السياسية والمجتمع المدني. وهنا أشار بلقاضي إلى ضرورةى تطوير الخطاب المؤسساتي للجبهة الداخلية، داعياً الأحزاب السياسية إلى لعب دورها الكامل في الدفاع عن الوحدة الترابية، مضيفا أن الخطاب الملكي ركز على ضرورة مشاركة الأحزاب الوطنية في الترافع الدولي عن القضية الصحراوية. وشدد الجامعي المغربي في حديثه مع موقع القناة الثانية، على أن الأحزاب الوطنية التقدمية، خصوصاً اليسارية، عليها أن تقنع نظيراتها في الخارج، وخاصة في أوروبا، بالابتعاد عن الأطروحات الانفصالية، كما دعا الأحزاب المغربية إلى تعزيز التعاون مع الأحزاب اليمينية والوسطية في الدول الأخرى لتقوية مواقفها. واختتم بلقاضي تصريحه بالإشارة إلى أن الخطاب الملكي يمثل رسالة واضحة لكل من لا يزال يعول على الأسطوانة الجزائرية، حيث أن المغرب حسم ملف الصحراء نهائياً، مؤكدا في ذات السياق، أن الدولة المغربية عازمة على استمرار تنمية المناطق الصحراوية، وذلك ضمن إطار استراتيجي يربط المصالح الوطنية بالقضايا الإقليمية والدولية.
مشاركة :