المدن الاقتصادية بين النجاح والفشل

  • 5/8/2016
  • 00:00
  • 117
  • 0
  • 0
news-picture

لم أكن أول أو آخر من انتقد أو سينتقد المدن الاقتصادية، وعندما أعلن عنها كنت -آنذاك- عضوا في مجلس الشورى وسألت زملائي في الجلسة العامة هل تعلمون من قبل عن هذا المشروع الذي هبط علينا من السماء وأعلن عنه في ليلة ظلماء، حيث لم أجد له خبرا أو كتابة أو إشارة في أي من الخطط الخمسية السابقة، فلم أجد الجواب عند زملائي، وفعلا كان الإعلان عن المشروع هو المفاجأة على الاقتصاد السعودي وعلى الاقتصاديين ورجال الأعمال. وإن كان الهدف منه -كما يقال- تنويع مصادر الدخل ودعم الناتج القومي من القطاع الخاص وفتح فرص جديدة لتشغيل الشباب السعودي، وصاحب الإعلان عن مشروع المدن الاقتصادية هالة إعلامية ضخمة محلية وعالمية كلفت الدولة مئات الملايين من الدولارات وكلفت مشاريع المدن الاقتصادية البلايين من ميزانية الدولة وعشنا سنوات في حلم كبير استفادت منه شريحة محدودة من المستثمرين الكبار وعلى رأسهم أصحاب الأراضي التي كانت وسط صحراء لم تتجاوز قيمة المتر المربع فيها بضعة من الريالات، وقيمت فيما بعد بآلاف الريالات وتهافت كبار المستثمرين من الشركات النافذة لتأسيس شركات المدن الاقتصادية وتحمل حملة الأسهم من صغار المستثمرين القيمة المضخمة المضافة، وروج عن هذه المدن بأنها ستكون النقلة التاريخية للاقتصاد السعودي في القرن الجديد، كما قيل عنها بأنها مستقبل الأجيال القادمة من الشباب، وأصدر القائمون على الهيئة العامة للاستثمار وعودا وآمالا للشباب السعودي العاطل عن العمل حتى قيل إن هذه المشاريع ستستوعب جميع العمالة السعودية العاطلة، وردد شعار (وداعا للبطالة) بل قيل إن المملكة ستواجه عجزا في العمالة السعودية عام 2020م؛ نظرا لتضخم الطلب عليها في مشاريع المدن الاقتصادية، وبدأ القائمون في الهيئة حجز مرتبة للمملكة ضمن الدول العشر في العالم الأكثر استقطابا للاستثمار، وظللنا ننتظر وبدأ العمل في أول وأكبر مدينة اقتصادية -غربي المملكة- التي تحمل اسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله رحمه الله. ومن اهتمامي بهذه المدن الاقتصادية فقد قمت بزيارتها شخصيا زيارات متتالية كان آخرها قبل شهر واستمعت من قبل إلى شرح الخطط وأحلام المسؤولين في الهيئة، إلا أن الأمر على أرض الواقع هو محبط ومؤلم وغير مبشر لتحقيق الآمال والطموح، ولا أعتقد أن هناك شركة مطورة حصلت على دعم مثل شركة تطوير مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، حيث حصلت على قرض تمويلي من الدولة بخمسة بلايين ريال، بالإضافة الى توجيه هيئة سكك الحديد بأن تكون إحدى محطات قطار الحرمين في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، إلا أنه وللأسف الشديد توجهت التنمية في هذه المدينة للتطوير العمراني للطبقة المتوسطة وما فوقها وإنشاء الفنادق وتوجيه الاستثمارات للشركات الصناعية الكبرى والشركات التجارية والخدمية، ومنذ اليوم الأول لإنشاء المدينة لم توجه سياسة المدينة الاقتصادية إلى استقطاب المؤسسات التعليمية السعودية، بل كانت توجهاتهم إلى المؤسسات التعليمية الدولية مهما كانت تكلفتها واستبعدت الجامعات والكليات الأهلية المتميزة والحاصلة على اعتمادات دولية ومحلية واقتصر البحث على كليات وجامعات عالمية فقط، وكذلك الحال بالنسبة للمدارس التي كلف سعر متر بنائها حوالي ستة آلاف ريال وتحملت المدينة خمسين في المائة من تكلفة الدراسة المتضخمة لدى المدرسة الدولية من خارج المملكة والتي حصلت على حق الامتياز في المدينة. لقد خرجت بعض المدن الاقتصادية من أهدافها الأساسية وهي دعم الاقتصاد السعودي ودعم الشركات والمؤسسات السعودية ودعم العمالة السعودية والتحول إلى مضاربات عقارية. أما البعض الآخر فقد أعلن عن فشلها وتكليف الهيئة الملكية لإدارتها مثل المدينة الاقتصادية بجازان، أما بعض الشركات المستثمرة فقد انسحبت بذكاء ببيع حصصها التأسيسية محققة أرباحا سريعة ترفع من ربحية شركاتهم في نهاية العام. إن عرض اليوم لهذه التجارب غير الموفقة التي كلفت الدولة البلايين من الريالات تدفعني لمطالبة هيئة مكافحة الفساد لفتح الملفات القديمة في المدن الاقتصادية وفحصها والتدقيق في سلامة استحواذ الأراضي وتقييمها وتدقيق المشاريع التطويرية وذلك لعلنا نعيد إلى الدولة بعضا من العوائد العينية أو النقدية أسوة بملايين الأمتار التي أعيدت لأملاك الدولة بعد أن استولى عليها البعض. كما أنني أطالب بضرورة تقييم الخطط والقرارات السابقة وقياس أثرها على فشل هذه المدن والبحث عن الأسباب. وإذا كان هناك تضليل بالمعلومة أو الأرقام أو الإحصائيات او الدراسات دفعت إلى اتخاذ القرار لإنشائها آنذاك فإن هذا يدرج أيضا تحت مسمى فساد التخطيط وتضليل صاحب القرار ومن ثم إهدار للمال العام. * كاتب اقتصادي سعودي

مشاركة :