كأن المعركة الليبية على الجماعات الإرهابية، ومنها تنظيم داعش في مدينة سرت، قد بدأت بدليل الحشود المسلحة والمعارك والتفجيرات الغادرة في محيط المدينة، غير أن هذا الاستحقاق لم يتوافر له الإجماع في ظل استمرار غياب الوحدة الوطنية المطلوبة، لخوض هذه المعركة المصيرية. وبينما يبدو العدو واحداً هو داعش ومن تبعه، يقف في المقابل.. تحالف عجيب من جيش وطني وميليشيات معتدلة ومجموعات مسلحة وفصائل قبلية تريد كلها أن ترتمي في قلب المعركة، ليس من أجل كسبها وإنما حتى لا يستأثر فيها أي من الحلفاء بالنصر وحده. فقد سبق التحضير لهذه المواجهة المحتملة، سجال عنيف من شتى الجهات، أظهر أن الذاهبين إلى سرت لا يسيرون إلى غاية محددة. ففي الوقت الذي أعلن فيه الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر التوجه لتحرير سرت قبل نهاية بقية معاركه في الشرق، أعلنت ميليشيات مصراته النفير، وتوجهت بدورها إلى ميدان القتال ليس لضرب داعش، وإنما للحيلولة دون أن يحقق جيش حفتر مكسباً عسكرياً قد يستثمره في إخضاع الجميع لإرادته. وعلى جبهة ثالثة، شكلت حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج من طرابلس غرفة عمليات خاصة لقيادة المعركة ضد التنظيم الإرهابي، معتبرة أن أي قوة عسكرية أو ميليشيا لا تنسق مع هذه الغرفة لا يعد تحركها شرعياً. وأرادت الحكومة بهذا القرار أن تقطع الطريق على حرب ثارات بين الجيش والميليشيات، يرجح أن تصبح هي المعركة الأساسية بين هذه الأطراف، وليس مواجهة داعش واستئصاله من سرت. من المسلم به أن المعركة ضد الجماعات الإرهابية، هي ضرورة ليبية قبل أن تكون مطلباً لأي طرف دولي، لا سيما وأن الخطر قد بلغ مستويات قياسية، وربما تكون المعركة قد تأخرت كثيراً، ولكنها ستتأخر أكثر وستكون بلا جدوى إذا اندلعت في غياب وحدة وطنية حقيقية وعدم وجود قوة عسكرية تحظى بالشرعيتين الداخلية والخارجية. ومن المسلم به أيضاً أن داعش سيكون هو المستفيد من الحرب، فأثناء المعركة تطيش السهام ولا يعرف العدو من الحليف، والأطراف التي تتوجه إلى سرت يريد كل منها أن يثبت فحولته، ويضرب خصمه ويحقق أهدافه على حساب الآخرين، أما الإرهاب فسيظل هدفاً ثانوياً، وبسبب ذلك قد تتغير التحالفات في الميدان بسبب العداء المستفحل بين ميليشيات عدة تتقاطع مع داعش في خيارات ورغبات عدة. وبهذه الصورة فإلغاء الحرب خير من خوضها، لأن الفشل فيها سيعطي واقعاً أسوأ مما كان عليه. إنها مغامرة محفوفة بالمخاطر، وستكون امتحاناً صعباً لحكومة الوفاق الوطني. أما إذا أرادت ليبيا أن تتخلص من الإرهاب فعلاً، فعليها ترتيب بيتها الداخلي أولاً، وتحديد ملامح شرعية السلطة فيها ثانياً، قبل التوجه إلى المعارك المصيرية، ومنها تحرير سرت. مفتاح شعيب chouaibmeftah@gmail.com
مشاركة :