تذهلني قصص أصحاب المبادئ وأعتبرها ملهمة بما تحمله من معانٍ كبيرة، وأيضاً معلومات لا تقدر بثمن عن معنى الحياة، ومعنى أن يكون للإنسان مبدأ صادق قوي فيها. من خلال هذه القصص نستمد خبرات حياتية نحن أحوج ما نكون لها، إذا لم يكن اليوم فغداً. من هذه القصص قصة ملهمة من الصين قرأتها توضح معنى العمل والتفاني فيه، معنى فهم الحياة الحقيقية. القصة عن سيدة صينية تسمى يوي يوتشنغ كانت تعمل في الزراعة في حي دونغهو في منطقة هونغشان، لكنها تركت العمل في الزراعة وأصبحت عاملة نظافة، إلا أنها فجأة ورثت عن عائلتها عمارة تحوي 21 شقة. وبما أن العقار كان مرتفعاً، فقد أصبحت بين عشية وضحاها مليونيرة، رغم ذلك ما زالت تعمل في كنس الشوارع، وعندما تُسأل عن السبب تقول: أريد أن أعطي مثالاً لابني وابنتي وباقي أفراد عائلتي أنه لا يمكنني أن أبقى في البيت كل يوم، مكتفية بالأكل والشرب والنوم، معتمدة على أموال جاءت فجأة وقد تذهب فجأة، لا يمكن أن يشعرك بالأمان إلا عمل يدك. لنتوقف قليلاً ونستوعب الكلمات، لقد قررت هذه السيدة أن تستمر في عملها كعاملة للنظافة، لأن هذا العمل هو الذي قدم لها الحماية طوال سنوات ، وبواسطته ربّت صغارها، أما الطارئ على حياتها، وهي هذه العمارة وما تحتوي من شقق، فليست مبرراً لترك عملها، لأنها تخشى أن تكون نموذجاً سيئاً لأبنائها الذين لطالما تغنّت أمامهم بأهمية العمل، فكيف اليوم عساها أن تبقى في البيت تنتظر أموال إيجارات الشقق؟ هذا يتنافى تماماً مع روح العمل التي زرعتها في أفئدة أطفالها. هذا جانب، أما الجانب الأهم، فهو المبدأ الذي يقوم على تقديس العمل وأنه بركة، فالحركة وممارسة العمل هما حماية للجسد نفسه، وفيهما حياة للإنسان، أما الترهّل والكسل، وهما اللذان كانت الثروة الجديدة تحثها عليهما، فقد تركتهما جانباً، وواصلت حياتها. هي لم ترفض الأموال، ولا هي رفضت العمارة والإرث، لكنها رفضت التغيير في حياتها، فضّلت أن تستمر على ما هي عليه، لأنها تأكدت أنها تسير على الطريق الصحيح. نحتاج في حياتنا أن تحفنا المبادئ الثابتة، والتي لا تتغير. ونحتاج أن نغرس في قلوبنا وقلوب أطفالنا والأجيال القادمة أهمية العمل وتقديسه، بغض النظر عن نوع هذا العمل، لأن أي عمل هو تقدم وازدهار للمجتمع، إذا نجحنا في هذا الميدان سنكون نجحنا في خير عظيم جداً. شيماء المرزوقي Shaima.author@hotmail.com Www.shaimaalmarzooqi.com
مشاركة :