النسيان: هل هو عدو الذاكرة أم حليفها الخفي؟

  • 10/16/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

"هل تعلمون أن السمكة الذهبية تُعتبَر رمزا للذاكرة الضعيفة؟ يقال إنها تنسى كل شيء خلال ثلاث ثوانٍ! لكن هل هذا صحيح؟ وكيف يُقارن ذلك بذاكرة بني آدم؟". غالبا ما تعتبر السمكة الذهبية رمزا للذاكرة الضعيفة في الثقافة الشعبية، حيث يشاع أن ذاكرتها تستمر لبضع ثوانٍ فقط. أصبحت هذه الفكرة شائعة لدرجة أنها تُستخدم كنكتة أو استعارة لوصف شخص سريع النسيان. لكن من الناحية العلمية، هذا المفهوم غير دقيق. أظهرت الأبحاث أنه لدى السمكة الذهبية (والعديد من أنواع الأسماك الأخرى) ذاكرة جيدة بما يكفي لتذكر الأشياء لأسابيع وحتى لشهور. على سبيل المثال، يمكن للسمكة الذهبية أن تتعلم التعرف على أصوات معينة أو مواقع الطعام وتذكرها لفترات طويلة. هل تعلمون أن 90% من المعلومات التي نتلقاها تُنسى خلال أسبوع؟ أظهرت دراسة أخرى أن 56% من الناس ينسون المعلومات بعد ساعة واحدة من تلقيها، و74% ينسونها بعد 24 ساعة، و90% بعد أسبوع واحد. النسيان هو عملية طبيعية تواجه الجميع في حياتهم اليومية. يتعرض له الكثيرون سواء في سياق الحياة اليومية أو في التعليم. وعلى الرغم من أن النسيان يعتبر عائقا في بعض الأحيان، إلا أنه يمكن أن يكون جزءا طبيعيا من عملية التعلم والتطور، حيث يقول عالم النفس ويليام جيمس: النسيان هو جزء لا يتجزأ من الذاكرة. ولكن ما هي الأسباب الشائعة للنسيان؟ تداخل المعلومات: عندما تتداخل المعلومات القديمة مع المعلومات الجديدة، مما يؤدي إلى نسيان أحدهما أو كليهما. عدم الاستخدام: عندما لا يتم استخدام أو مراجعة المعلومات بمرور الوقت، فإنها تميل إلى الضياع. العوامل النفسية: مثل التوتر، القلق، أو حتى الصدمات العاطفية يمكن أن تؤدي إلى نسيان مؤقت أو دائم. تقدم العمر. ولكن هل النسيان صفة نسائية أم ذكورية أم أنه ليس هناك فرق بين الجنسين؟ حسب مقالة في موقع ميديكال نيوز توداي، فإن الرجال أكثر نسيانا من النساء. ذكرت المقالة أنه كثيرا ما يُتَّهَم الرجال بنسيان أعياد الميلاد واحتفالات الزفاف وحتى أشياء بسيطة مثل إخراج القمامة. لكن دراسة جديدة تشير إلى أنهم طوروا هذه الوصمة لسبب ما؛ ووجد أن الرجال أكثر نسيانا من النساء، بغض النظر عن أعمارهم. كما نشر فريق البحث بقيادة البروفيسور جوستين هولمن من الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا نتائج الدراسة في مجلة BMC Psychology. وللتوصل إلى هذه النتيجة، قام الباحثون بتحليل 37,405 رجال ونساء تتراوح أعمارهم من 30 عاما فما فوق، والذين كانوا جزءا من دراسة صحة السكان الطولية في النرويج، والتي تسمى Hunt3. "ينسى الرجال بالقدر نفسه سواء كانوا في سن 30 أو 60". وكشفت النتائج أن ما يقرب من نصف المشاركين أبلغوا عن مشاكل في الذاكرة. ومن بين هؤلاء، 1.2% نساء، و1.6% رجال. بالنسبة لثمانية من أصل تسعة أسئلة، أبلغ الرجال عن معظم المشاكل. بشكل عام، وجد الباحثون أن مشاكل الذاكرة تزداد مع تقدم العمر. ولكن في جميع الفئات العمرية، أبلغ الرجال عن مشاكل في الذاكرة أكثر من النساء. علاوة على ذلك، فوجئ الباحثون عندما وجدوا أن الرجال الأصغر سنا ينسون بقدر ما ينسى الرجال الأكبر سنا. من الأمثلة التاريخية الشهيرة حول النسيان هي قصة الفيلسوف اليوناني سقراط، الذي كان يؤمن بأن النسيان جزء لا يتجزأ من عملية التفكير. وكان سقراط يستخدم النسيان كأداة لتحدي أفكار الناس ودفعهم للتفكير بعمق أكبر. قصة أخرى تأتي من الحضارة الإسلامية، حيث يُقال أن الإمام الشافعي كان يعاني من النسيان في بداية دراسته، لكنه تغلب على هذه المشكلة من خلال تكرار وكتابة ما تعلمه. يعتبر النسيان تحديا كبيرا للطلاب، ولكن هناك عدة استراتيجيات يمكن استخدامها للتغلب عليه: المراجعة المنتظمة: يمكن للطلاب تحسين ذاكرتهم من خلال مراجعة المواد بشكل دوري. استخدام تقنيات التذكر: مثل ربط المعلومات الجديدة بمعلومات مألوفة أو استخدام الخيال لتصور المفاهيم. تقسيم المعلومات: تقسيم المواد الدراسية إلى أجزاء صغيرة يمكن أن يجعل استيعابها أسهل ويُقلّل من احتمال نسيانها. التغذية السليمة والراحة: يمكن أن يحسن الحفاظ على صحة الجسم والعقل من خلال تناول الطعام الصحي والحصول على قسط كافٍ من النوم من قدرة الطالب على التذكر. أما على مستوى الأفراد، فلدينا 7 نصائح لتحسين الذاكرة: النشاط البدني كل يوم. يزيد النشاط البدني من تدفق الدم إلى الجسم كله، بما في ذلك الدماغ.. ابق نشيطا عقليا. قضاء بعض الوقت مع الآخرين. النوم الجيد. اتباع نظام غذائي صحي. إدارة المشاكل الصحية المزمنة. مواقف من التاريخ لناس أثر النسيان في حياتهم وكيف تغلبوا عليه: ألبرت أينشتاين ونسيان التفاصيل اليومية: يُعرف عن أينشتاين أنه كان ينسى الكثير من الأمور اليومية مثل نسيانه ارتداء الجوارب، لكن هذا لم يكن عائقا أمام إبداعه العلمي. تغلب على هذا النسيان من خلال تركيزه الشديد على الأمور التي كانت تهمه بالفعل، وابتكر بيئة محيطة تساعده على التركيز على الإبداع بدلا من التفاصيل اليومية. نابليون بونابرت ونسيان الأسماء: كان الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت يواجه مشاكل في تذكر أسماء الأشخاص الذين يتعامل معهم. للتغلب على هذه المشكلة، كان يقوم بكتابة أسماء الأشخاص على ورقة ويحملها معه دائما. كما استخدم تقنيات مثل ربط الأسماء بسمات شخصية أو مواقف معينة ليسهل عليه تذكرها. توماس إديسون والنسيان الجزئي للاختراعات: كان المخترع الشهير توماس إديسون ينسى أحيانا تفاصيل معينة عن اختراعاته العديدة. احتفظ إديسون بمذكرات مفصلة لتسجيل أفكاره واختراعاته، مما ساعده على العودة إليها عند الحاجة والتغلب على النسيان. الزهايمر: حسب مقالة علمية نشرها موقع ميديكال نيوز توداي كتبها آدم فيلمان عام 2024 وجدت مراجعة أُجريت عام 2020 من 65 دراسة من 24 دولة حول آثار التعليم، أن كل سنة إضافية من التعليم تُقلل من خطر إصابة الشخص بمرض الزهايمر بنسبة 8%. وتشير نتائج دراسة أجريت عام 2023 وشارك فيها 318,535 مشاركا إلى أن مستوى تعليم الشخص يمكن أن يلغي الخطر الوراثي لمرض الزهايمر. ختاما، النسيان جزء طبيعي من التجارب الإنسانية ولا يجب أن يكون مصدرا للقلق. من خلال فهم أسباب النسيان وتطبيق استراتيجيات فعالة، يمكن للطلاب تقليل تأثيره على تعليمهم وتحقيق أداء أفضل في دراستهم. النسيان ليس دائما عدوا؛ بل قد يكون فرصة لإعادة تعلم المفاهيم بشكل أعمق وأكثر وضوحا.

مشاركة :